تخطى الى المحتوى

هل يملك كلٌ منّا هيئة وهوية وقالب؟ (ملفّات القرّاء ٢)

كل رجل يبحث دائمًا عمّا يتوق إليه.

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة
هل يملك كلٌ منّا هيئة وهوية وقالب؟ (ملفّات القرّاء ٢)
Photo by Kyle Glenn / Unsplash

لطالما انزعجت من فكرة أن الناس يعدون الكاتب كائن فضائي، فتراهم يتعجبون عندما يرونك تضحك بفكاهة بعد ما قرؤوا لك مقالاً عميقًا. هل للكاتب هيئة وهويّة وقالب؟ أم أنه في مرحلة حبسة الهوية؟


عزيزتي فاطمة،

بالتأكيد يشعر الكاتب أحيانًا أنه مضطر أن يحبس نفسه داخل هوية ما خوفًا من النظرة العامة. كان هذا الأمر يسير معي تقريبًا في أول خمس سنوات مع الكتابة المنتظمة، وبعدها وجدت أن الإنسان (أو الكاتب في حالتي) لا يملك إلا أن يصبح طبيعيًا. ربما لأن إبراز ما ليس في الكاتب سيتلاشى مع الوقت. وأمرٌ آخر لإيماني أن آخره شخص يمارس القرقعة على لوحة المفاتيح، بانتظام أكثر من غيره. لا أكثر.

صحيح أن هناك كُتّاب يملكون حظوظًا أوفر من كُتّاب آخرين، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم يملكون كفاءة أكبر؛ «الجهود لا تخدم الكُتّاب، إنما التوقيت» كما يقول ستيفن مارش. ولذا لا شيء يستدعي الكِبر.

أنا من القرّاء الذين يملكون حساسية عالية تجاه فكرة وقار الكاتب، تمتد هذه الحساسية إن حاول الكاتب أن يُشعِر الآخرين أنه أفضل منهم بأي شكل. أعرف يقينًا أيضًا أن الكُتّاب (بصفة عامة) يتّسمون بالكسل، وأيضًا في حالات، بشيء من الوهم الذي يرسمونه تجاه صورتهم، كما أن الأغلبية الساحقة متوسطي الحالة المادية، بالكاد يعيشون حياة عادية، وهنا أقول مرة أخرى.. لا شيء يستدعي الكِبر.

وعلى العكس، أؤمن أن الكاتب يجب أن يحمد الله سرًّا وعلانية، ليلًا ونهارًا، إن قرر أحد القرّاء بالصدفة أن يعطيه التقدير والوقت والذهن ليقرأ له. فلا قيمة للكاتب دون قارئ. قولًا واحدًا.

عودة للسؤال؛ ربما يعطي العمل المنتظم للكاتب إحساسًا بالمسؤولية الاجتماعية، ولا شيء معيب في هذا الأمر بذاته، إلا إننا قد نراه يستحضر المسؤولية بالطريقة الخطأ، كأن يكون متهيئًا ومتبنيًا لشخصية المثقّف التقليدي، دون أن يدرك إن كان الأمر يجعله أمام الآخرين أضحوكة بدلًا من استحقاق التقدير.

لاحظت في الحقيقة أمرًا لطالما استوقفني، وهو أن رجال الأعمال والتجّار يحبوّن الكُتّاب، ربما لأنهم يرون فيهم ما لا يملكوه، وربما لأنهم الجزء المكمّل والمُثبت لقدراتهم ومثابرتهم. فالتاجر الناجح، ينعكس نجاحه على رصيده البنكي، الذي لا يراه أحد سوى ما ظهر منه في الكماليات. أم الكاتب (وسأقول المعروف) فإن رصيد المحبين والمعجبين هو الذي سيزيد، ولا يتطور الأمر طرديًا مع المكانة التي ترتبط بالمال.

يظل كل رجل يبحث دائمًا عمّا يتوق إليه.

يتقلّب الكاتب بين الشخصية الفضائية وبين الإنسان العادي، وبين دفّات الحزن العميق وبين الفرح العارم. يتقلّب الكاتب لأنه إنسان عادي في نهاية الأمر، إلا أن رغبته في التعبير تُظهِر جوانبه المخفية أكثر من غيره.

عن الكتابة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

هل الكتابة حِرفة وشغف؟ (ملفات القرّاء ٣)

العزيز أحمد مشرف أحييك من مدينة الشارقة - الإمارات العربية المتحدة, وأنا من المتابعين لنشرتك البريدية، وبشكل خاص حينما تتحدث عن الكتابة، لدي سؤالان فيما يتعلق بالكتابة: 1. هل الكتابة موهبة وشغف أم صنعة وحرفة؟ 2. هل من نصيحة واحدة تقدمها للكُتَّاب؟ شكرا لعطائك في هذه النشرة تحياتي.

هل الكتابة حِرفة وشغف؟ (ملفات القرّاء ٣)
للأعضاء عام

ما أعرفه على وجه اليقين (ملفات القرّاء رقم ١)

هنا بداية مشروع سلسلة مقالات ستُخصص للإجابة على أسئلة القرّاء.

ما أعرفه على وجه اليقين (ملفات القرّاء رقم ١)
للأعضاء عام

أسئلة القرّاء (أو ملفّات القرّاء)

لم تأتيني فكرة إشراك القارئ المخلص لهذه المدونة أو لأيٍ من كُتبي طوال الإثني عشرة سنة الماضية. ربما لأن الأساس هو محاولة إخبار القارئ الكريم ما أود قوله والكتابة عنه، وبصراحة لم أعاني يومًا مما يُسميه بعض الكُتاب «حبسة الكتابة» أو الـ Writers Block. وقد وقعت

أسئلة القرّاء (أو ملفّات القرّاء)