كيف نتعامل مع كثرة الأهداف في حياتنا؟ (ملفّات القرّاء ٤)
مساء الخير أُستاذ أحمد،
جزيل الشكر على هذه المدونة الجميلة والمفيدة، سؤالي: كيف يتعامل الإنسان مع كثرة الأهداف في حياته؟ حينما يحاول التخطيط للفترة القادمة، يجد أهدافاً كثيرة على جميع المستويات إيماني، تخصصي، معرفي، اجتماعي ومالي وغيرها! وكلما حاول عمل فلترة، يجد هذه الأهداف والأمنيات ملحة! فيزداد حيرة؛ يخاف من التشتت وعدم الإنجاز.
ولكم جزيل الشكر مقدمًا
عزيزي أحمد الحارثي،
كُنت البارحة في نقاش عميق مع أحد الأفاضل (وهو صديق بمكانة الأب)، أعده نموذجًا يُقتدى به، طرح عليَ سؤالًا متداولاً في حياة الجميع: «كيف ترى نفسك بعد خمس أو عشر سنوات من الآن؟»، وأجبت: «هل حقًا من المهم أن أعرف؟» وأخبرني بعض صمت لدقيقة: «لا».
ربما نقول إذًا ما فائدة هذا السؤال؟
اتفقنا أنه من المهم أن يملك الإنسان بوصلة تحرّكه في هذه الحياة، ورغم يقيننا بعدم وجود خطة حقيقية مُحكمة نستطيع الالتزام بها، إلا أن الخطط (والأهداف) تُعطي شيئًا من التماسك العقلي. والأهم إنها تُعطي مؤشرًا على ما لا نريد أكثر مما نريد تحقيقه.
أتبع السيد الكريم قوله بأن على الإنسان تحديد قيمه الأولى الرئيسة، عوضًا عن الأهداف: العائلة، الانضباط، الرضى الروحي، وغيره. سأعترف إن كل ما أنا عليه اليوم لم يكن مخططًا له، رغم ادعائي لحب التخطيط والتركيز على الأهداف. أنا ضمن فريق في عمل خاص لم أخطط في حياتي إلى الوصول إليه، وأقدّم بودكاست لم أفكّر في يوم أن أقوم بتقديمه (إلا بعد مكالمة الصديق أحمد عطّار واقتراحه لفكرة البرنامج عليَ)، كما إنني ترجمت كتابًا مفتونًا به، بعد أن تعرّفت عليه بالصدفة، وأنا أستمع إليه بنسخته الصوتية، وأنا واقف على إحدى آلات النادي الرياضي. تظل الفُرص تأتي، وأعتقد أن مرونة الإنسان قد تعطيه القدرة على استغلالها.
أعرف اليوم إنني أريد بعض الأشياء فيما يخص مهنتي: أُريد أن أكتب المزيد للقرّاء (لا يهم بنفس القدر إن كانت الكُتب والمقالات ستنجح أم لا)، وأريد أن أُسيطر على الحد الأعلى من ساعات يومي (لا يهمني بنفس القدر أن يكون هذا الاستقلال مصاحبًا لثروة مادية كُبرى). يتحقق الأمر الأول بالانضباط وعدم التوقف، والثاني يتحقق عبر بناء الأصول وتأسيس الأعمال والاستثمار المنتظم. وأعرف يقينًا أن قيمة الاستقلال قيمة كُبرى في حياتي، لأنها ستساعدني على ما أريد القيام به، ولذا نصبتها إحدى أعلى القيم. نفس هذه القيمة تعطيني مساحة ووقتًا جيدًا برفقة عائلتي وأحبائي، الذين أجد فيهم أهم من كل شيء آخر.
الأهداف قد تكون محفزًا جيدًا، إلا إنه قد تعطينا الكثير من الذنب في حال لم تتحقق. أُفضِّل أن أتعامل معها كمؤشرات ثانوية بعد التركيز على القيم.
أمرٌ آخر، أن الإنسان يسعى دومًا لأن يكون نسخة أفضل من نفسه، وهذا أمرٌ محمود دائمًا، وهنا يدعم وجود الأهداف هذه الرحلة، إلا إن قيمتها ستُصبح معدومة إن لم تكن تحت مظلة القيم. أضرب على سبيل المثال: أملك هدفين صغيرين هذه الأيام: ١. إنقاص وزني وبناء كُتلة عضلية أفضل (أريد أن أدخل الأربعين بصحة أفضل قليلًا، وأن أبني عادة تساعدني لأن أكون جدًا أفضل بعد سنوات)، و٢. محاولة الانضباط بالاستيقاظ المبكر (لأن السيطرة على اليوم منذ الصباح حسب قناعتي هي الحرية الأكبر). وبالمناسبة، استعنت بمستشارين اثنين لتحقيقها.
وبخصوص إلحاح الأمنيات؛ تحدّثت مع الدكتورة ريهام قرّاش في حلقة بارتشن عن رغبة الإنسان الملحة لإنجاز المزيد من العمل (بمنظور الطب الشمولي)، وأخبرتني أن اكتمال حاجات الإنسان الأساسية من المأكل والمشرب والأمان، هي ما جعلته يتوقف كل يوم ليسأل: ما هي قيمتي في هذه الحياة؟ ولذا أصبح يستكمل بحثه من خلال ما نُسميه «المعنى»، وهذا المعنى ربما هو ما يجعلنا نشعر بإلحاح الأهداف، وفي رأيي أن الأهداف يجب أن تعكس ما في دواخلنا أكثر من اكتراثنا لصورتنا أمام الآخرين.
هنا مقالة لطيفة كتبها الكاتب ريان هوليدي عن عدم امتلاكه لأهداف شخصية، أنصح بقراءتها.
تحياتي
اسألني: ahmad@amoshrif.com
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.