تخطى الى المحتوى

من هو الغبي، المثقف أم المتلقي؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
من هو الغبي، المثقف أم المتلقي؟

«يمنحنا كل عمل صعب خيارًا نحكم فيه إما على المؤلف (أو المثقف) بكونه أحمق لعدم وضوح أفكاره، أو على أنفُسنا بكوننا حمقى (أو أغبياء) لعدم استيعاب ما يحدث. ويحثنا (الفيلسوف) مونتين على لوم المؤلف. فالأسلوب النثري العصي على الفهم يميل إلى كونه ناتجاً عن الكسل أكثر من الذكاء؛ وما يُقرأ بسهولة نادرًا ما يكون قد كُتب بسهولة»* يذكر هذا الأمر آلان دو بوتون معلقاً.

ويشرح مونتين: «الصعوبة عُملة يستحضرها المتعلمون كي لا نكتشف خواء دراستهم، ويميل الغباء البشري إلى قبولها مسبقاً.»

وهنا أسأل سؤال غريب: هل تذكر المرة الأخيرة عندما قلت لنفسك «يبدو أن ما يتحدث فيه هذا المثقف أمرٌ كبير، لكنني لا أفهمه!» وتبرر لنفسك بعدها: «هو صاحب عقل أكبر من عقلي، ولذلك يتكلم كلاماً أكبر مني!».

الغباء يقود أحياناً الإنسان لقول كلام واستخدام مصطلحات صعبة لا يفهمها الآخرين، وكذلك ينطبق هذا الأمر على أصحاب الثقافة أو المثقفين (أو ما أسميهم النخبويين)، فكلما ازدادت الكلمات والمصطلحات الرنانة صعوبة، كلما كان الأمر ببساطة هو محاولتهم لإخفاء جهلهم أو لإخفاء كسلهم.

لا ينطبق بطبيعة الحال هذا الأمر على الثقافة المتخصصة (كالطب، والفيزياء والعلوم الأخرى التي تحمل داخلها بطبيعة الحال مصطلحات خاصة بها) ورغم ذلك، يظل المثقف الأكثر ذكاءً – حتى وإن كان صاحب تخصص – هو من يوصل فكرته بأبسط الطُرق ودون تكلُف.

ولذا، إياك أن تعتقد أنك إنسان تحمل بعض الغباء إن لم تفهم ما يريد قوله المثقف أو أي شخص آخر؛ فهو على الأغلب يحاول أن يتذاكى ليقول لك «أنا أفضل منك، ولذلك أنت لا تفهمني».


* دو بوتون أ. عزاءات الفلسفة، دار التنوير (ط ٢٠١٧)، ص١٩٧

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع