تخطى الى المحتوى

لماذا أصبحنا نبحث عن المختصر المفيد دائمًا

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

في كتابها (Off The Clock) تسخر الكاتبة «لورا ڤاندركام» من خطوة اختصار الوقت لمن يشاهد مسلسلات نيتفليكس عندما يظهر خيار تجاوز المقدمة (Skip Intro). حيث تطرقت إلى اعتقاد أن من يتجاوز المقدمة عند كل حلقة، قد وفّر الكثير من الوقت الضائع خلال الأسبوع. شرحت زاوية السخرية بقولها: إن كنت تريد فعلًا توفير الوقت، فلا تشاهد نيتفليكس من الأساس.

وعشرات الأشخاص الذين اقترحوا عليَ التركيز على كتابة مقالات مختصرة وكتب أقل في عدد صفحاتها (رغم أنني لا أجد كتاب كوهم الإنجاز ٢٣٠ صفحة مثلًا كتابًا طويل)، ودائمًا تكون الحجة واحدة ومعروفة: أننا أصبحنا في زمن يبحث فيه المتلقي على المختصر المفيد.

ويشجعني آخرون على عمل مقاطع مشاهدة لا تتجاوز الدقيقة أقول فيها ما أريد أن أُفتي به على الجمهور. بدلًا من التركيز على المقالات وتأليف الكُتب. بل أن بعض القرائ الأحبة كانوا قد قيّموا كُتبي بتقييمات منخفضة لرغبتهم في عدم التطرق بتفاصيل كثيرة لبحثي عمّا كتبت عنه.

(أعطينا المختصر المفيد) هو المفهوم الذي يجعل الكثيرين يبحثون عن وقتٍ أكبر في أمور أكثر فراغة.. كتمضية الوقت على قنوات التواصل الاجتماعي!

لا يستطيع الإنسان أن يبني معرفة حقيقية باطلاعه على المختصر المفيد، ولن يستمتع بشكل حقيقي محب كرة القدم إن اكتفى بمشاهدة أهداف مباريات فريقه المفضل كل مرة. وبالتأكيد لا قيمة لمحب الأفلام إن اكتفى بمشاهدة بضعة دقائق تختصر عليه الأحداث من فيلمه المفضل.

المعرفة والتثقّف والترفيه لا يجب أن يعاملوا باختصار. وعلى الأغلب لن يكون الاختصار مفيدًا كما نعتقد، فالحياة بكل تفاصيلها تحتاج إلى الصبر والوقت والاستحقاق لها.

يُخرِج الاختصار المتلقي من السياق.. فلا يعلم القارئ ما هي القصة خلف خروج الكاتب بفكرة أو نصيحة ما في كتابه إن قرأ المختصر المفيد، ولا يعرف مشاهد الأهداف أن اللاعبين ومدربهم كيف تعبوا حتى فازوا في المباراة.

ولا يعلم كل من يحرص على المختصر المفيد أن الأساس في أخذ الطريق الطويل هو الاستمتاع بالوقت الطويل بالدرجة الأولى.

أن تُرمى وسط أحداث الرواية وشخصياتها، وتنتظر المساء لتكمل قراءة النص الذي سيعطيك خيالاً استثنائي هو المتعة الحقيقية، ومنه الفائدة العظمى في بناء المفردات واللغة وتوسيع المدارك.

أو كما يفعل صديقي العزيز عبدالرحمن يماني بقوله «عندما تأتي مباراة مهمة، أشاهد التحليل قبلها ووسطها وبعدها.. ببساطة لأن شغفي ومتعتي بالمباراة لا تكتمل دونهم».

المعرفة والترفيه وجهان لعملة واحدة، يستحقون الكثير من الجهد والصبر لنستمتع بهم. أما المختصر المفيد، فيأخذ بنا إلى التسطيح وإلى المزيد من الوقت المتوفر لأمور ليست مهمة.

اقترح الإطلاع على المقالة الرائعة للآنسة العنود الزهراني في هذا الشأن أيضًا.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لماذا أنا وأنت لا نشعر بالاكتفاء؟

معرفة ما يُسعدك أمرٌ سهل، ولكن مشكلتك أنك تريد أن تكون أسعد من الآخرين

لماذا أنا وأنت لا نشعر بالاكتفاء؟
للأعضاء عام

عن التعليقات قليلة الأدب في التواصل الاجتماعي

ولماذا هي ليست موجودة على المدونات؟

عن التعليقات قليلة الأدب في التواصل الاجتماعي
للأعضاء عام

جميعنا نضيع حياتنا الثمينة في فعل أشياء لا نحبها

ظهر لي في برنامج Readwise اقتباسًا لعين، ارتأيت أن أشاركه: «كل منا يقول «نعم» بانتظام دون تفكير، أو بسبب انجذاب غامض، أو بسبب الجشع، أو الغرور. لأننا لا نستطيع أن نقول لا، لأننا قد نفوت شيئًا ما إذا فعلنا ذلك. نعتقد أن «نعم» ستتيح لنا تحقيق المزيد، في

جميعنا نضيع حياتنا الثمينة في فعل أشياء لا نحبها