تكلم حتى أراك
«أنت تختبئ خلف كلماتك وتحت لغتك، وحديثك هو جواز مرورك الأول إلى قلوب الآخرين، ولعل ما نراه دائما في الحياة من حروب كانت بدايتها لفظة قيلت في غير محلها ..» يقول أحمد إبراهيم الشريف، «كان سقراط يجلس بين تلاميذه وكانوا يتبادلون الكلام فيما بينهم يأخذون ويردون على سقراط وهو يصحح ويقيم ويعلم، يخوضون في موضوعات شتى مختلفة ومتنوعة بعدد تشعب الآراء واختلاف طرق الدنيا من حولهم، لكن في هذه الدائرة التي يتعالى منها الكلام كأنها رحى حرب وتتطاير الأفكار بين الأستاذ والتلاميذ.. وجاء أحدهم وهو يتبختر في مشيه، يزهو بنفسه، وسيماً بشكله، فنظر إليه سقراط مطولاً، ثم قال جملته الشهيرة التي أصبحت مثلاً: تكلم حتى أراك!».
يغتر أي شاب بجمال إحدى الآنسات عندما يراها للمرة الأولى، ليقول لنفسه «واو! .. ما هذا الجمال، ما هذه الروعة (وأحيانًا) ما هذه الشياكة!»، وطبيعة الذكور تقودهم لتقييم الجمال الخارجي للمرأة عندما يراها للمرة الأولى قبل أي تقييم آخر. يسأل نفسه في أجزاء من الثانية «همم .. هل هي جميلة؟» وإن كانت الإجابة «نعم!»، سيعلق عليها بالتعليق الذي ذكرناه. وإن لم تكن جميلة بما يكفي بالنسبة له، سيكتفي بإغلاق عقله مؤقتًا عنها.
يقابل (ربما) في النقيض قوة «الحضور» عند الرجل، وهندامه، وشخصيته التي تلفت الآنسات الناضجات في المرة الأولى والثانية .. حتى الرابعة، ويهتم (ربما) الفئة الأصغر من النساء بشكل الرجل الخارجي، إلا أن الوعي العمري وخبرة الحياة تقود عامتهم لاستيعاب خطأ هذا التقييم.
ورغم اختلاف هذه الجوانب، فأنني أدعي أن الرهان الحقيقي هو الكلمات، وبالتحديد الكلمات الصادقة والمباشرة، والتي ستزيد قيمتها كلما عُزِزت بثقافة أو فِكر أو وعي. فلن يستمر انبهار الشاب بالآنسة بعد المرة الرابعة إلا إن تحدثت مطولًا ليراها وهي حقيقية.
وتختصر الآنسات هذا الأمر من المرة الأولى أو الثانية من اللقاء في كلمات الرجل وأسلوبه، فهي أيضًا ستراه عندما يتحدث.
حرب العاطفة ضد العقل تستميت داخلنا ليفوز إحداهم. تغلب العاطفة العقل دومًا، لأننا نتحرك وفقًا لما يمليه علينا القلب. ويمثل الجمال والانبهار «العاطفة» في مواقفنا، وتمثل الكلمات «العقل».
العلاقات طويلة الأمد تراهن على العقل. الحقيقة تراهن على العقل. القرآن يراهن على العقل.
كلما انشغل الإنسان بما يبهره، كلما استسلم للمسكنات. يبحث عن المزيد منها. يريد المزيد من الجمال الخارجي، المزيد من محاولات للحصول على ما يلمع. المزيد من الأغراض الفخمة، والمزيد من المكياج. حتى يكتشف متأخرًا أن عقله قد مات. مات ضحية بعده عن الحقيقة.
لا تملك «هو أو هي» رغم إبهارها في البداية ما يسمح له بأن يعيش معها كي يتطور، ويواسي نفسه ويواسيها وقت الأزمات والحروب النفسية والوقفات. يختفي الجمال فجأة، وكأن الإبهار لم يكن له وجود.
مشكلة الجمال والعاطفة أن السيطرة عليهم ليست سهلة، وميزة الكلمات (والعقل) أنها تراكمية، تزداد بالتثقيف، والوقوف لتحليل المشاكل، ومحاولة رؤية ما لا يراه من يملكون الجمال الشكلي فقط.
وهنا، كما أراهن دومًا على الاستمرارية، فإنني أراهن على العقل.
العقل يجب أن يقود.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.