تخطى الى المحتوى

في عدم القدرة على السفر

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
في عدم القدرة على السفر
Photo by Samsung Memory / Unsplash

يعلم القارئ المُخلِص أنني من دعاة السفر. ويعلم المقرّبون أن السفر المنتظم من أقصى الأولويات في حياتي. ولا أتحدث عن طريقة السفر التقليدية عالية التكاليف والاستعداد، وبالطبع لا أقصد في أي حالٍ من الأحوال نوع السفر الذي يحوفه اختيار المكان من أجل التصوير، فإن طلبت من معظم الناس أن يتركوا كاميراتهم أو جوالاتهم الذكية عندما يسافرون إلى أي مكان، فإننا على الأغلب سنشهد أشخاصًا يزورون أماكنًا توائم حقيقة ما يحبوه ويريدوه.

[أذكر على نفس النمط بشكلٍ مختلف صديقًا عزيزًا كان يستمع لأغانٍ شعبية (بالدس)، خوفًا من حكم والده الذي كان متطورًا وعصريًا وعازفًا للأغاني الغربية.]

وقد وقعت في غرام تأمل جديد كُنت قد قرأته في كتاب حياة أبسط (A Simpler Life)، لسلسلة مدرسة الحياة، عندما تحدث الكاتب فيها عن قدرتنا بالسفر في دواخلنا أكثر. فالهدف الأسمى من السفر هو خلق الذكرى، إلى جانب عيش اللحظة، وربما إلى محاولة جلب جوانب أعمق للأيام التي تليه.

لا نحتاج إلى كاميرا أو أي شيء تقني لمساعدتنا على التركيز أكثر على الذكريات التي نحتفظ بها بالفعل. هناك كاميرا في أذهاننا: تعمل دائمًا، وتلتقط لقطات من كل شيء رأيناه من قبل. لا تزال أجزاء كبيرة من الخبرة موجودة في رؤوسنا، سليمة وحيوية، فقط في انتظار أن نسأل أنفسنا أسئلة رائدة مثل: «إلى أين ذهبنا بعد أن هبطنا؟» أو «كيف كانت وجبة الإفطار الأولى؟»؛ تجاربنا لم تكن كذلك، اختفت لمجرد أنها لم تعد تتكشف أمام أعيننا؛ يمكننا أن نبقى على اتصال مع الكثير مما جعلهم ممتعين ببساطة من خلال فن الاستحضار. نتحدث إلى ما لا نهاية عن الواقع الافتراضي، لكننا لسنا بحاجة إلى أدوات – لدينا أفضل أجهزة الواقع الافتراضي الموجودة بالفعل في رؤوسنا. يمكننا – في الوقت الحالي – أن نغلق أعيننا ونسافر إلى أفضل اللحظات وأكثرها عزاءًا والتي تعزز الحياة من ماضينا ونبقى فيها.

هذه الكلمات كان لها وقعٌ كبير ليس لحقيقتها التي افترضتها، ولكن لتأملي في كون الناس لا تتعامل مع الذكرى بشكلٍ جدي، لا أشعر أن الكثيرين يتأملون لحظاتهم السعيدة أكثر من تأملهم لما هم قلقين منه. ربما قد يكون هذا الأمر فيه نوع من النوستالجيا، ولكنني أعلم اليوم أن الذكرى هي من تصنع جزءً من خيالنا وتكويننا وأولوياتنا. نسعى من خلال الاحتفاظ بالذكرى الحرص أكثر على تِكرارها، ليس لأنها الأصح لنا، ولكن لشعورها العميق الذي يؤثر علينا.

يخلق الناس علاقاتهم بأبنائهم وأحبائهم من خلال الذكرى، وليس المؤونة والمشتريات.

نتأكد بعد مضي بعض الوقت أن حياتنا سعيدة فعلًا بسبب اللحظات السعيدة فيها، حتى وإن كانت مليئة بالظروف الصعبة.

نحن لا نحتاج إلى كاميرات والمزيد من التصوير والكثير من الأشياء.. نحن نحتاج إلى عقول حية وذكريات حيوية لكي نتأكد إننا في أفضل حال.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع