تخطى الى المحتوى

لماذا لا تحب النساء خدمات العملاء من النساء؟ (التحليل)

الجزء الثاني

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
لماذا لا تحب النساء خدمات العملاء من النساء؟ (التحليل)
Photo by Blake Wisz / Unsplash
💡
هذه المقالة استكمالًا للجزء الأول.

الرجال عمومًا لديهم رغبة وقدرة أكبر لتحمل المخاطر من النساء. المخاطر تعني في خدمة العملاء استخدامًا أعلى للاستثناءات ومساحات أكبر للسير خارج النص، هذه الطُرق الوعِرة تُشعِر الرجال «إنهم قدّها» ويمتلكون زمام الأمور. بالطبع كل ذلك مع سعة صدر أكبر لتقبّل التوبيخ أو المحاسبة.

يشعر بعض الرجال بشيء من الرضا إن حصلوا على مستوًا أعلى من السيطرة – ليس فقط في حياتهم الخاصة، وإنما العملية أيضًا - بشرط ألا تخرب بيوتهم، يُفضّلون أن تُحسب لهم المثابرة في الخدمة من باب الفزعة والمرجلة إن كان تعاملهم مع أبناء جنسهم، وأن تُحسب من تبني سلوك «الجنتلمان» أو «الخدمة الراقية» كما يُحب أن يصفها بعض النساء.

لا يود الرجل أن يشعر أنه لا يستطيع، ولا تريد المرأة أن تشعر بأنها غير مُلِمّة بعملها. يأتي الجنسان من خلفيات نفسية مختلفة تمامًا.

وهناك عدة أقوال إضافية أخرى تجاه هذا الأمر، الأول كما أشارت الآنسة خلود بادحمان:

«اكتشفت سبب حرصنا؛ نحن نكره، ونرفض أن يوجه لنا اللوم لأي سبب من رؤساءنا، فلذلك نعمل زي ما يقول الكتاب من دون أي محاولة للاجتهاد. وفهمت هذا السبب عندما وُضِعت على المحك بجانب زملاء لي، وفهمت الفرق بين سيكولوجيتنا».

وهذا بالضبط ما كان موجودًا في القصة الأولى للجزء الأول من هذه المقالة، مع الآنسة التي قررت التحوط بالالتزام بما هو مكتوب على الميزان (حتى وإن كان خربان) من المغامرة بقبول حقائب زائدة في وزنها، خشيةً التوبيخ. أُعطيها رصيدًا لحرصها الشديد، وألوم مدراءها على عدم تدريبها وتعليمها عن مفهوم الصورة الأكبر لخدمة العملاء.

ورأي آخر من سيدة تحكي:

«قررت بالأمس والدتي أن تحجز في فندق في مكة المكرّمة. وقد صرفت ساعة إلا ربع وهي تعيد نفس الأسئلة بصوت عالي وبتوتر واضح. والموظف، بصبر أيوب، يرد عليها بهدوء واحترافية كأنها أول مرة تسأل. صراحة، أعجبت بقدرته العجيبة على التعامل مع الموقف. لو كنت مكانه، غالبًا كنت قفلت السماعة بعد أول عشر دقائق. في دراسة تقول إن الرجال  عاطفيًا لأنهم يعرفون كيف يديرون مشاعرهم قبل اتخاذ أي قرار. ممكن، صح لكن المرأة بالفطرة عندها قدرة خارقة على فهم احتياجات الذي حولها واحتواء التفاصيل الصغيرة مثلا لشريكها إللي حياته مبعثرة في كل مكان، وأطفالها إللي طلباتهم ما تنتهي. نحن نصنع الاهتمام بالفطرة لمن نحب، إذا ما عجبنا الشخص لك الله، أحيانًا نعاند، ونصر إننا على حق أيضًا، بس الحقيقة إن الذكاء العاطفي مش حكر على أحد. هو فن يتقنه الشخص اللي يعرف متى يصمت، متى يتكلم، ومتى يترك مساحة للطرف الآخر يعبر عن نفسه».

إحدى التأملات في هذا الموضوع – الذي تكرر على مسمعي كثيرًا - هو امتلاك الرجال لخبرة تراكمية أكبر في التعامل مع الجمهور، وهذاما ولّد شيئًا من الثقة تجاههم أكثر من النساء، الذين دخلوا إلى السوق بشكل متأخر نسبيًا.

أثار أحد الأصدقاء رأيًا آخر: أن موضوع تفضيل النساء للتعامل مع الرجال – ولو إنه بشكلٍ أقل – يكون حتى مع الأطباء، بل أن إحدى السيدات كانت قد أخبرتني صراحة، أن الطبيب الذكر أكثر رحمة وتفهمًا لحالتها الصحية من النساء، ولا أعلم في الحقيقة إن كان هذا القول يحمل شيئًا من المبالغة. لكن عدم إلمام حقيقة أحاسيس المرأة من قِبل الرجل يجعله يعمل محتاطًا بشكل كبير، فالمرأة تفهم المرأة عندما تتدلّع أو تبالغ، أما الرجل لا يعرف ذلك!

رأي آخر سمعته، وهو وجود افتراض غير مُعلن لدى العميل/ة بأن الرجل عمومًا يعمل للحصول على لقمة عيشه، وهذا العمل يشكّل أهم نواة في حياته، أما بالنسبة إلى النساء، فإن العمل إثبات للذات أكثر من كونه مسألة تكوين ذات في المقام الأول كما هو الحال مع الرجل (بالطبع هناك استثناءات).

الشيء المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن إحدى قريباتي كانت تحكي عن زوجها الذي يعمل في إحدى المنشآت الحكومية التي تتصف بمواجهة غزيرة مع الجمهور، وعندما قررت هذه المنشأة أن توظّف فريقًا كبيرًا من النساء في قسم العمليات (Back Office) انخفضت نسبة الأخطاء بنسبة سبعين في المئة، وذلك بسبب دقة البيانات والالتزام بمنهج العمليات من قِبلهِن، ناهيك أن هذه المنشأة كانت قد أعطت النساء تدريبًا مكثّفًا قبل انخراطهم في العمل بدوامٍ كامل. نفس هذه المهام كانت تعيسة عندما كانت محصورة في يد الرجال طوال سنين سابقة، والذين كانوا – حسب وصف الزوج – يميلون إلى التكاسل، والتشطر في معظم العمليات التي تستدعي فعلًا الالتزام بسير العمليات حرفيًا.

نتحدث في سياق المقالة عن خدمة العملاء، وأؤكد شخصيًا أن زميلاتي في العمل الذين يعملون في قسم العمليات في شركتنا على سبيل المثال، لا يُستهان بهم في الحقيقة؛ يُديرون أعمالًا معقدة ومتطلبة بكفاءة مبهرة، أكثر بكثير مما كان عليه الوضع عندما كانت تحت إشراف الرجال، وهذا ما يجعلني أُصدّق القصة السابقة، وأبصم عليها بالعشرة.

على كل حال، لكل قاعدة استثناء، وقد ساعدني تدوين هذه المقالة وملاحظاتها وقصصها لشيء من فهم الجوانب النفسية، ودون شك، لا أحاول أن أكون متحاملًا على الذكور أو الإناث. وأسأل الله أن يبارك في جهود شبابنا وبناتنا أيًا كانت أعمالهم ومناصبهم، هم الثروة الحقيقية لأوطاننا، دون رياء ومجاملة. 

شؤون اجتماعيةعن العمل وريادة الأعمال

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا تطلب دون أن تعطي سببًا لطلبك

هذا السلوك خطوة ممتازة لدرجة أعلى في الذكاء الاجتماعي.

لا تطلب دون أن تعطي سببًا لطلبك
للأعضاء عام

عندما نخلط بين هويّتنا وعملنا

اليوم قد تكون مهندسًا في شركة، وغدًا ربما تكون طباخًا في جهة أخرى، وقد يكون من المضحك أن تعطي نفسك لقب المهندس الشيف فلان الفلاني

عندما نخلط بين هويّتنا وعملنا
للأعضاء عام

عن السعي والتباطؤ

لا أعرف أحدًا افتخر بنيل أمانيه في وقتها وبالطريقة التي توقّعها.

عن السعي والتباطؤ