Writer's Block - جفاف الكاتب
لا زلت حتى هذه اللحظة أؤمن بعدم وجود ما يُسمى بالـ Writer’s Block أو جفاف الكاتب أو الكتابة.
عندما يحاول أي كاتب تنميق كلماته وخلق ما لا يفهمه عقله ولا يستوعبه الآخرون سيُصاب بحالة الجفاف تلك، ذلك لأنه ابتعد عن صدقه مع نفسه هروباً للبحث عن أي شيء غير الكتابة.
الكتابة مثلها مثل أي عمل آخر … تتطلب الكثير من الإلتزام والكثير من الصبر، والكثير من محاربة المقاومة والشيطان الداخلي في البحث عن العزلة مع الذات، وكل مشاكل الكُتاب ليست كما يحسب الكثير من الناس أنه جفاف الأفكار … لا … لا، وإنما جفاف الهمة والواقت والرغبة الملحة التي تجعل الكاتب يجلس كُل يوم ليكتب عدد الكلمات التي يجب عليه أن يكتبها.
الكتابة مثل الكلام، هل يُعقل أن نستيقظ في أحد الأيام دون أن نستطيع الكلام؟
لا يمكن ذلك، ولكن في المقابل يمكن أن نواجه بعض المشاكل في تنميق وترتيب الأفكار أمام بعض الأشخاص لنتحدث بها بطلاقة، مثلها مثل كتابة ورقة أو ملف ما.
الكتابة ما هي إلا انعكاس لأفكار وحياة كل كاتب، وتتطور لتعبر من خياله حتى تصل لعيون القراء في القصص والروايات.
تُلزم الكتابة كل كاتب أن يعيش ما يقوله (وما يكتبه) وإلا أصبح كما يعتقد البعض أحد المنظرين دون عمل.
تم إيجاد مفهوم جفاف الكتابة في الأربعينيات من القرن الماضي، وكما قلت أؤمن أنها مجرد كذبة تم اختراعها وتصديقها من قبل الكُتاب ليُبرروا لأنفسهم حجة عدم الكتابة لبعض الوقت.
لاحظ بعض الأصدقاء تقصيري في الفترة الأخيرة عن كتابة مقالاتي اليومية بشكل مستمر، وأجزم أن سببها أنا … وفقط أنا لعدم تخصيصي لوقت الكتابة اليومي الذي اعتدت عليه.
أن تكتب ==> تعني أن تجلس لتكتب ==> ليظهر ما كتبته للآخرين.
لا يمكن بطبيعة الحال أن تكتب شيء ما يغير حياة الآخرين طيلة الوقت، أو أن تكتب مايريد قراءته جميع الناس على أقل تقدير، لكن أجد أن المسؤولية الأولى هي أن تكتُب وتكتب لأنك اخترت أن تكتب.
عاش نجيب محفوظ معظم فترات حياته وهو لا يملك الكثير من المال، ومات وهو لا يملك الكثير من المال … بل ترك خلفه الكثير من الأعمال وحجم دسم من المجد الذي طال به أصقاع الأرض، لأنه فقط اختار أن يكتب. وقد ترك الكتابة لفترة من الزمن مطلع السبعينات لاقتناعه أن كتاباته قد أدت دورها بتغيير الشارع المصري آن ذاك، ولم يعترف في أياً من فترات حياته بأنه واجه مشكلة مع جفاف الكتابة.
قد يكذب بعض الكُتاب في هذه المسألة ويعترفون بمواجهتهم لجفاف الكتابة … خوفاً من تعليقات الآخرين حول جودة كتاباتهم. وشخصياً أواجه بعض الملامة من أقرب المقربين إلي بقولهم “أصبحت تكتب كثيراً … لدرجة أنك تكتب أي شيء لمجرد الكتابة!”، ودعني أكن صادقاً في هذه المسألة، نعم أكتب كل يوم في أي شيء، فالغرض كما قلت ليس تلبية رغبات الآخربن، وإنما إعطاء كل فكرة تأتي للعقل قيمتها، فعندما توثق وتُكتب تصبح حجة علي وعلى كل من قراءها باسم العلم والقراءة.
تجربتي حتى هذه اللحظة لا تخلوا من الغرابة في ردات الفعل … فأذكر عدة مقالات كُنت قد كتبتها دون اهتمام قوي وحقيقي بجودة المحتوى، لأُصدم في اليوم التالي بتجاوب كبير من بعض القُراء، وأذكر مرة أنني استقبلت اتصال من أحد الأصدقاء يشكرني على إحدى المقالات التي كتبتها منذ زمن (ونسيت أنني كتبتها بالفعل) بأنها قد غيرت شيئاً فيه، وقرر بعدها الإلتزام بالتغيير الذي حصل له بسببي، وفي المقابل عندما أترقب ردات الفعل على أهم المقالات التي صرفت بعض الجهد والوقت لكتاباتها … لا أجد شيء من ردات الفعل الإيجابية! بل أنني أحياناً أستشير بعض الأصدقاء حول محتواها لأجد … أيضاً لا شيء مميز فيها كما يقولون، وهنا أجد أن الكاتب بالفعل لا يمكن أن يتنبأ بجودة ما يكتبه، مما يستدعي استمراره على الكتابة حتى يصل إلى تغيير نفسه وتغيير الناس من خلال كتاباته.
*****
قبل أسبوعين، قمت بزيارة خاطفة على تقرير عدد القراء في صفحتي، وهو تصرف عاهدت نفسي بأن لا أفعله أبداً خوفاً من تأثري نفسياً بقلة عدد القراء أو انخفاض زوار الصفحة، وهذا ما حصل بالضبط … وجدت أن ٢٥٪ فقط من المشتركين على قائمتي البريدية آن ذاك يقرأون مقالاتي باستمرار، ولن أُخفي حجم الإحباط الرهيب الذي أصابني ذلك اليوم …
قررت مراجعة حساباتي، فأنا أكتب لأنني أريد أن أكتب في المقام الأول … لكنني بالطبع لا أريد الوصول إلى هذه النتيجة القاسية بعدم قراءة الآخرين لما أكتب، خصوصاً أن الكتابة ليس لها أي مقابل مادي أو معنوي قد يضمن الاستمرارية مع وجود مسؤوليات إضافية في حياتي كالأسرة والعمل والنوم وغيرها الكثير.
تنفست الُصعداء عندما قال لي أحد أصدقائي: أن معظم المقالات لا تُقرأ في حينها، بل أن أغلبية الأشخاص يفضلون تجميعها طيلة الأسبوع لقرائتها دفعة واحدة.
وها أنا الآن أعود لأقول أن الجفاف جفاف الهمة، وجفاف الإلتزام وليس جفاف الأفكار أو القلم، ولا أريد أن أدعي أنني صادق فكل ما أكتب، بل أشد على نفسي بأن يكون كل ماكتبته وسأكتبه حجة علي وليست لي لتضمن أنني [كاتب] محترف!
فقد اخترت الكتابة كما اخترت أن أقرأ كل يوم … لأن حياة واحدة لا تكفيني، ولأنني لا أريد أن يعيش الآخرون حياة واحدة قد لا تكفيهم.
والسؤال الأهم … هل سأستمر إن انخفض معدل القراء في المستقبل؟
نعم … بل سأشحن الهمة ضعفين!
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.