أفضل طريقة لفهم أنفُسنا
مقدمة:
تم نشر حلقة لقائي في بودكاست مربّع مع الأخ العزيز حاتم النجّار. كان كل الكلام من القلب. مثلما اعتدت على الكتابة من القلب. مثل هذه اللقاءات تُعطي لشخص مثلي بعض الحق أن يخبر الآخرين بمخاوفه أكثر من استعراضه.
تأملت بعد اللقاء خانة التعليقات السلبية والإيجابية، جاحدًا أحد أهم النصائح التي قلتها: «بأن قراءة التعليقات غالبًا ما تكون مضيعة للوقت»، والسبب وتبريري لذلك؛ بأن مثل هذا اللقاء الذي أحاول أن أقول فيه ما لا يُكتب، سيكون مباشرًا.. بتواجدي أمام الكاميرا، وليس خلف الكلمات؛ وربما مع بعض التسلية قد يزداد فهمي لنفسيات وشجاعة المعلّقين السلبيين خلف الأسماء المستعارة، وأيضًا، الخير الموجود في الآخرين بمشاركتهم آراءهم واستمتاعهم باللقاء. كتب أحدهم معلّقًا: «بالله تسموه كاتب هذا؟» وأقول له: لا بأس يا صديقي، البعض يرى ذلك.
بالطبع أُصِبت بتوتر شديد عندما سألني عن الخسارة الكُبرى، وكدت عدة مرات أن أفقد السيطرة على مشاعري وأنا أحكي عن تجربتي عندما بدأت أقص البدايات والخسارات، وموت والدي، وأرى شريط الذكريات أمام عيني وهو يخرج من كلماتي.
اعتدت -ككاتب- أن أسمع للناس وأحكي لآخرين ما سمعته، لكن لم تكن هناك عادة منتظمة بأن يسألني أحد في مثل هذا القالب الطويل عن قصتي أمام الآلاف، وبالفعل.. عندما شاهدت اللقاء، استوعبت أن لا شيء يضاهي قدرتنا على فهم الآخرين كالإنصات لهم. وعندما نُنصِت لما نقول، سنفهم أنفُسنا أكثر، وعندما ننُصِت للآخرين، سنفهمهم أكثر. الانصات هو جوهر التواصل.
المقالة:
صدر اليوم كتاب جديد عن ستيف جوبز (بعنوان اصنع شيئًا رائعًا)، تم نشره مجانًا على Apple Books وهو من تحرير ليزلي برلين؛ ومقدّمة بقلم أرملته لورين بول جوبز، تقول فيها:
«أفضل طريقة لفهم شخص ما هي الاستماع إليه مباشرة. وأفضل طريقة لفهم ستيف هي الاستماع إلى ما قاله وكتبه على مدار حياته. توفر كلماته – في الخطب والمقابلات ورسائل البريد الإلكتروني – نافذة على طريقة تفكيره. وقد كان مفكرًا رائعًا.
يعكس الكثير مما يوجد في هذه الصفحات موضوعات إرشادية لحياة ستيف: إحساسه بالعوالم التي ستنشأ من التزاوج بين الفنون والتكنولوجيا؛ صرامة لا تصدق، فرضها على نفسه أولاً بقسوة وشدة؛ إصراره مع السعي لتجميع قيادة فرق كبيرة؛ وربما، قبل كل شيء، رؤيته حول معنى أن تكون إنسانًا.
قال ستيف ذات مرة لمجموعة من الطلاب: «يبدو أن لديك فرصة لإشعال النيران في السماء، ثم تختفي.» لقد أعطى قدرًا غير عادي من التفكير حول أفضل السبل لاستخدام وقتنا العابر.
كان مدفوعًا بفكرة كونه جزءًا من الوجود البشري، متحركًا بفكرة أنه – أو أن أيًا منا – قد يرتقي أو يُسرّع التقدم البشري.
من الصعب بما يكفي أن نرى ما هو موجود بالفعل، للحصول على رؤية واضحة. كانت هدية ستيف أعظم: لقد رأى بوضوح ما لم يكن موجودًا، وما يمكن أن يكون هناك، وما يجب أن يكون هناك. لم يكن عقله أسيرًا للواقع أبدًا. بل على العكس تمامًا: لقد تخيل ما ينقص الواقع وشرع في علاجه. لم تكن أفكاره حججًا، بل كانت حدسًا، ولدت من حرية داخلية حقيقية وشعور ملحمي بالإمكانية.
في هذه الصفحات، يقوم ستيف بالصياغة والتحسين. إنه يتعثر وينمو ويتغير. لكنه يحتفظ دائمًا بهذا الإحساس بالإمكانيات. آمل أن تشعل هذه الاختيارات فيك الفهم الذي دفعه: أن كل ما يصنع ما نسميه الحياة صنعه أناس ليسوا أكثر ذكاءً ولا أكثر قدرة منا؛ أن عالمنا ليس ثابتًا – ولذا يمكننا تغييره للأفضل».
لا أعرف كيف أُعقّب سوى بتعليقي عن افتتاني لسيرته والتي كانت بالفعل غير أسيرة للواقع. عندما نشاهد جوبز وهو يتكلم في لقاءاته القديمة، فنحن نرى مستقبل ما يحاول قوله.. في كل لقاء تقريبًا. هذا الربط الساحر بين ما كان يوجد في خياله وبين واقع المستقبل، يجعل كل واحدٍ منّا يحمل أملًا حقيقيًا بأن الأحلام يمكن لها أن تتحقق، إن رأها في مخيّلته.
وقبل نسج الأحلام، ربما أدعو إلى فهمها وفهم ذواتنا قبلها.. ننصت في البداية، ونعمل على الإنجاز فيما بعد.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.