تخطى الى المحتوى

إياك أن تتصرف كالضحية .. إياك

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

عام ٢٠٠٨ في بدايات تأسيسي لعملي الخاص، كنت كأي شاب اختار لنفسه هذا الطريق الوعِر، شديد التأثر نفسياً بالمشاكل العملية اليومية في سير الشركة. خرجت ذلك اليوم مع صديقي غسان، حكيت له عن كل المشاكل التي تواجهني، جزء منها متعلق بزملائي، وجزء منها متعلق بشركائي والجزء الأكبر متعلق بعملائي طبعاً.

كانت جلسة ذلك اليوم عبارة عن فضفضة فقط، استمع غسان لكل الحكايات حتى النهاية، وعندما انتهيت سألني «خلصت؟» وفور إجابتي بنعم قال لي مباشراً «أحمد! … Don’t Act like a victim» (لا تتصرف وكأنك ضحية!) أو بمعنى مجازي آخر (بطِّل دراما!).

امتد الحديث لساعات بعدها، كنا نحاول أن نجد بعض الحلول للمشاكل التي تحدثت عنها بعد أن صفعني بحكاية الـ Victim. ولا أذكر أبداً أي تفاصيل عن تلك الحلول أو عن المشاكل نفسها بصراحة، لكنني أذكر كلمة Victim تماماً.

كلما زادت الشكوى منّا، كلما قل اهتمام الآخرين بها، هذه مفارقة عجيبة في سلوكنا. بل أن هذا الأمر ينطبق حتى على أقرب المقربين منّا.

الاستشارة أمر .. والشكوى أمر آخر تماماً.

استلمت في أحد الأيام رسالة على تويتر تفيد: «أنا  مصممة جرافيك، عاطلة عن العمل … آمل مساعدتي على نشر حسابي، أو إعطائي مشروع تصميم أساعدكم فيه». رددت مباشرةً على الرسالة، أنني أود التحدث معها. وبالفعل بعد عدة ساعات تم التواصل معي على الجوال، تفاجئت أن المتصل كان رجل … وبعض القليل من المحادثة علمت من الرجل أنه زوج المصممة، وأنه يدير حسابها على تويتر وبقية قنوات التواصل الاجتماعي. قلت له: إسمع يا أخي، أنا لا أعرف ظروفكم، ولا أعرف سبب إدارتك لحساب زوجتك الكريمة، ولكن ما أعرفه تماماً أن لا أحد يريد التعامل مع إنسانة عاطلة عن العمل، أو إنسانة تتصرف كأنها ضحية الظروف! … فأنا أو غيري نود التعامل مع الناجحين .. الناجحين فقط، لأنهم سيعطونا جزءاً من نجاحهم من خلال عملهم. شكرني على هذه النصيحة، وأقفل الخط، ولا أعلم إن اهتمـ(وا) بما قلت أم لا.

وفي أحد الأيام الأخرى جائني اتصال من المسؤول الأول عن أحد الجهات التي كنت أحلم بالتعامل معها فيما يخص مقالاتي وكتاباتي، كان الاتصال في غاية الغرابة، رددت عليه وأنا في قمة التوتر … قررت خلال الثانيتين الأولى أن أكون مستمعاً جيد لما يريده المتصل، تفاجئت أنه بالغ جداً في رغبته الكبيرة باستضافة ما أكتبه عندهم، بل وشكرني على هذه الفرصة القيمة! … وأنه سيكون عند حسن ظني، بل كان يود التأكيد أن هذا التعامل ليس التعامل الأخير.

انتهت المكالمة بشكل عادي، وعندما أقفلت الخط … تأملت ما حصل خلال الخمسة دقائق الماضية، وفي الحقيقة تأملت أكثر استنقاصي لنفسي طيلة الفترة التي سبقت الاتصال.

ربما لا يستوعب القارئ الكريم أنني ترددت كثيراً قبل الاتصال بتلك الجهة، بل أنني قلت في نفسي لماذا أحرج نفسي مع جهة أعلم سلفاًَ أنها لن تقبل التعامل معي! .. وما حصل طبعاً كان مخالفاً للتوقعات.

ربما خرجت بمحصلتين هنا، الأولى هي: أن بالفعل نصف النجاح يكمن في الفشل أو رفض الاخرين … استعدادنا للرفض لا يساوي تصرفنا كأننا متهمين. والثاني: أن الناس لا تعطي قيمة إلا لمن يعطون أنفسهم قيمة قبلها.

تصرف كالناجحين يا أخي .. وستكون (ربما) إنساناً ناجحاً.

شؤون اجتماعيةعن العمل وريادة الأعمال

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

تريد سرًا كبيرًا من أسرار الإنجاز؟

عليك بالكلاحة

تريد سرًا كبيرًا من أسرار الإنجاز؟
للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟