اختفاء الموظفين
هناك نظرية تقول: أن الموظف سيختفي أو سيختفي دوره تدريجياً مع الوقت خلال السنوات القادمة، ليحل محله أحد إثنين:
١. آلة تؤدي نفس العمل المطلوب من الموظف.
٢. عامل حر/أجير – (freelancer) يؤدي المهمة المطلوبة من قبل الشركة.
وهنا سنعيش عبر الخيار الثاني ما كان عليه أجدادنا وأسلافنا من قبل، ففي الماضي لم نسمع بمصطلح الموظف حتى لدى المجتمع الغربي في شتى المجالات، كانت معظم المنتجات والخدمات تندرج تحت مسميين إما دكان أو أجير، ويختلف الأجير حسب اختلاف مهنته (نجار، حداد، لحام إلخ…) ولا تزال اليوم موجودة رغم اختلاف مسميات المهن وزيادتها في مجتمع الأعمال (مصور، مصمم، مبرمج، إلخ…).
مقاييس العمل اختلفت الآن تماماً، فأصبح المدير المباشر أحياناً يمثل دور الوصي أو الوالد الذي لم تلده جدتي، وفي الأحوال الجيدة لبعض المنشآت يكون الموظف عرضة لعدة تقييمات -البعض منها ليس له علاقة مباشرة بالمهام المطلوبة- قد تحكم بسهولة على مصير مستقبله “الوظيفي” دون النظر لأي اعتبارات حقيقية بشكل رئيسي.
حكى لي صديقي العزيز ذات يوم: «بعد انتهاء حقبة العبودية في أمريكا، اجتمعت رؤوس القيادة والحكومة مضطربين حول ذلك التحدي الذي سيواجهونه دون وجود عبيد يؤدون الأعمال الدونية في مجتمعهم، فقرروا إعادة صياغة العبودية لينتهوا أخيراً بإعادة صياغة مفهوم العبودية عبر الكلمة السحرية (الموظف) ».
أصبح الأجير -تحت إسم الموظف- يستلم مستحقاته لقاء مجموعة أيام عمله طوال الأسبوع/الشهر عوضاً عن الأجر اليومي، ويرتبط عمله وأدائه مع رضا رب العمل أو عدمه خلال نفس الفترة … وليصبح مع الوقت ضحية المعاش الشهري الذي يتقاضاه عوضاً عن هم العمل كعمل، ليكون الراتب هو المسكن الوحيد على المنغصات التي يواجهها أثناء عمله إضافة لكونه مصدر الرزق الوحيد له.
يزداد التضخم المالي شيئاً فشيئاً، وتزداد طلبات الحياة، ويزداد أصحاب الأموال ثراءاً … ليزداد الموظف حاجةً لوظيفته ومنها يزداد الفقراء فقراً.
يتناسب هذا الوضع ورغبة أصحاب الأموال ليتمكنوا عبر هذه الطريقة من توفير الموظفين الأقل تكلفة مستسلمين طوال الشهر … ثم السنة … ثم العمر كله لرب العمل، والفرق هنا يكون فقط حول وجود دخل نهاية الشهر.
أياً كانت دقة القصة التي حكاها لي صديقي العزيز أو واقعيتها، لكن أجزم أن تبعات الثورة الصناعية (المليئة بتطبيق مفهوم العبودية الجديد) كانت قد شُكلت جراء استسلام المجتمعات الغربية لهذا الوضع مع حرصنا نحن المجتمعات الشرقية للخوض في نفس الغمار.
والآن …
تمثل نواية الأفراد -خصوصاً الشباب- بتأسيس عملهم الخاص بداية الطريق نحو تطبيق ذلك المستقبل الذي سيكون فيه الفرد رب عمله، وليُطبق فيها أيضاً مفهوم العمل « كفنان » ليعيش كما يريد وبما يريد دون أي منغصات خارجيا، ولعل الأيام ستثبت أن سلوك الفنان الحر هو الأفضل للتعايش، لا مفهوم الوظيفة.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.