تخطى الى المحتوى

الإثبات الاجتماعي - Social Proof

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

في امستردام … أجريت دراسة لاختبار مدى قوة تأثير الآخرين على تصرفاتنا.
يقوم بعض المتطوعين بترك عربات التسوق خارج السوبر ماركت عند المواقف ليروا إن كان هُناك أشخاص آخرين سيفعلون مثل هذا التصرف، ليكون ردهم على أي تساؤل:

«ترك العربة في الخارج أمر عادي فالآخرين يقومون بذلك   »

في الحقيقة .. نعم كان هناك عدة أشخاص اقتنعوا بأمكانية ترك العربة خارج السوبر ماركت دون إرجاعها (رغم وجود لافتات، ومعرفة معظم الزبائن بضرورة إرجاع العربات لأماكنها بعد التسوق)، بل وقد تمادى آخرون بترك بعض أوساخهم عند مواقف السيارات مع عربات التسوق.
والسبب: رؤية آخرين قاموا بهذا الفعل.
يُطلق على هذا التصرف مسمى التأثير الإجتماعي أو Social Proof كما أوضحها بالتفصيل الكاتب د.كيللي مكجونيجال في كتابه: “غريزة الإرادة – The Willpower Instinct”.
وفي دراسة أخرى لنفس الهدف … يقوم مجموعة متطوعين بالطرق على بعض البيوت في أحد أنحاء كاليفورنيا ليبلغوهم بالآتي :« نرجوا منكم التكرم بتخفيض استهلاك الكهرباء، فذلك أصلح للطبيعة والأرض.»
وبطبيعة الحال … لم يتغاعل أحد.
وفي تنويه أخرى: « سيدي نرجوا منك التكرم بتخفيض استهلاك الطاقة، وقد قطع جيرانك الوعد بالإلتزام بذلك ولعلك ستكون الوحيد المتبقي الذي لم يفعل ذلك حتى الآن».
(دون استذكار جميع التفاصيل) تفاعل الأغلبية مع التنويه الثاني.
لا يرغب أحد أن يغرد خارج السرب، أو أن لا يكون ماكان عليه أبائه، قبيلته، جيرانه أو أي فئة اجتماعية قد تأثر بها.
تكرار بعض التصرفات من قبل المجتمع لا تثبت صحته ولا يمكن أن نجعلها حجة منطقية في كل الأحوال.
أجد أن مجتمعاتنا العربية تعاني بشدة من هذه القاعدة، للدرجة التي تسمح لأي شخص بكسر القوانين الجديدة وتخريب عقليات تملك محاولات جدية للإصلاح بسبب تأثرها بالآخرين.
خذ القرصنة على سبيل المثال … حتى اللحظة أجد الكثير من أصدقائي يبررون تحميلهم (قرصنتهم) على الأغاني والأفلام متحججين بأن الكل يفعل ذلك!، بل ويجدني بعضهم إنسان سخيف ويعشق تبذير ماله على أشياء يمكن توفيرها مجاناً!، وأذكر أحد الأخوات اللطيفات قد قالت لي:« سيسألنا الله عن مالنا فيما أفنيناه، ولا أريد أن اقول في الأفلام والأغاني، لذا أجد القرصنة هي الحل!».
حتى الإقتناع بأيدلوجيات وتوجهات سياسية معينة أصبحت تطبيقاً لقاعدة التأثير الإجتماعي دون وجود أفكار حقيقة يلتزم ويقتنع بها الفرد أمام نفسه ليعمل بها في حياته. وأجد النسخ واللصق أحد أهم أدوات إثبات التأثير الإجتماعي للذات ليقول الإنسان لنفسه «الكل يفعل ذلك، والكل يبحث عن الأجر، انشر تؤجر!».
ومن ناحية فلسفية أجد أن مشكلة التأثير الإجتماعي تعد أحد أهم التحديات التي تقف عائقاً ضد الإرتقاء الإجتماعي على جميع الأصعدة، ولا انكر حقيقة تأثري شخصياً بعدة إثباتات اجتماعية سأكشفها بسهولة إن راجعت نفسي قليلاً، وطالما لم توجد قوانين وقناعات صارمة تُطبق … ستستمر الإثباتات الإجتماعية في التفاقم.
وسؤالي هنا … هل أنت مقتنع بكل ما تقوم به وتؤمن به بكل ما تعنيه الكلمة؟
أم أن قناعاتك أصبحت وليدة لقناعات الأخرين (المثبتة اجتماعياً)؟
قال لي صديق عزيز: القراءة أهم وسيلة لخلق أراء حقيقية للذات، بعيدة عن التأثير والتأثر الإجتماعي، فغير القارئ سيعتاد النقل عن الآخرين، والأهم تأجير عقله لأيٍ منهم.

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟