التاريخ لا يزحف، التاريخ يقفز
في مقالة قصيرة وعظيمة للكاتب مورجان هوسل، يشرح تأثير الأخبار الكُبرى المتداولة في الإعلام بوصفه:
هناك «دورة صدمة» لجميع الأحداث الإخبارية الكبيرة. تذهب لتكون حسب الترتيب التالي:
- افترض أن الأخبار الجيدة دائمة.
- تغافل الأخبار السيئة إن حصلت.
- تجاهل الأخبار السيئة.
- نفي الأخبار السيئة.
- الذعر من الأخبار السيئة.
- تقبل الأخبار السيئة.
- افترض أن الأخبار السيئة دائمة.
- تجاهل الأخبار الجيدة.
- أنكر الأخبار السارة.
- تقبل الأخبار السارة.
- افترض أن الأخبار الجيدة دائمة.
ألا يُذكِّر هذا الترتيب القارئ الكريم بشيء؟
هذا الترتيب لا يشمل الأوبئة وحدها، إنما قرارات الحروب والمشاكل الاقتصادية، الهجرة، ونقص المؤن، واستيعاب أن هناك الكثير من الأمور قد تغيّرت، وافتراض أن الأخبار الجيدة دائمة لا يلغي فكرة أن جزءً من الأخبار السيئة لن يختفي من الوجود (إن اختفت الكورونا فلن يختفي التطعيم).
الأخبار السيئة المتداولة (في النقطة الثانية) عادة ما تكون صادمة، سريعة، ومفاجئة، والأحداث التي تليها كما يصفها السيد عمار «مثل فرط حبات اللؤلوء» ما إن تحاول أن تمسك إحداها حتى تجد البقية قد انتشرت في الأنحاء.
الأخبار التي تصل إلى العوام بصدماتها، تكون قد أعطت تأثيرها للخاصة قبلها..
«في ذروة أزمة الصواريخ الكوبية، غادر وزير الدفاع روبرت ماكنمارا غرفة الطوارئ في البنتاغون وذهب إلى الخارج. كتب لاحقًا: «لقد كانت أمسية خريفية جميلة، وصعدت إلى الهواء الطلق لألقي نظرة على السماء وأشم النسيم، لأنني اعتقدت أنه سيكون آخر يوم سبت أراه على الإطلاق».
ما حدث لوزير الدفاع تشابه مع أحاسيسنا في مارس ٢٠٢٠م. عندما اعتقد البعض أن البشرية كلها على وشك الانهيار.
كانت التقديرات تشير إلى أنه في حال حدوث حرب نووية شاملة (بين الأميركيين والسوفييت عام ١٩٦٢م) سيكون هناك مئة مليون حالة وفاة في الساعة الأولى.» يعلق هوسل. وبالطبع لم تحدث الحرب. لكن حدثت كثير من الأمور المشابهة التي لا يستوعبها عقل العوام والخاصة من الناس، مثل سرعة وجدية الأحداث الموجودة في أوكرانيا اليوم.
«التاريخ لا يزحف؛ التاريخ يقفز» كما يقول الكاتب والفيلسوف المعروف نسيم طالب. ولا يمكن أن يحافظ الإنسان على رباط الجأش سوى مع اللحظات التي يؤمن فيها في الأوقات المستقرة أن لا شيء دائم سوى وجه الكريم.
«تتشكل عبقرية الفرد عندما يقوم بفعل أشياء عادية عندما يصاب كل من حوله بالجنون» كما يصف نابليون الجنرالات العظماء في فريقه. أو تتكون العبقرية عندما يعمل الإنسان بهدوء واستقرار للمستقبل، ويضع عينه الأخرى على حبات اللؤلؤ التي ستسقط فجأة في حياته؛ أو عندما يسعى أن يكون عاديًا في حين أن العالم حوله أصابه الجنون.
أول شعور يشعر به الإنسان لحظات فقد إنسان عزيز جدًا، أن الدنيا أصبحت صغيرة. صغيرة جدًا للدرجة التي لا تستحق فيها أي عناء لما هو قادم، الشعور الآخر هو «عدم الشعور» لما هو حوله، تمامًا كما يصف هوسل «حالة الإنكار» في النقطة الرابعة. يستسلم مع الوقت ويستوعب مصيبة الفقد، ويحاول المضي قدمًا فيما بعد حتى تعود دورة الحياة من خلال النقاط الأربعة. تتقلب نفسية الإنسان وعواطفه وأفكاره للمجهول. لا يعرف ماذا سيحمل الغد، ولا يعرف أن كان يفترض به القيام بعمل شيء في تلك اللحظات. وفي حقيقة الأمر، لا يفترض بالإنسان عمل شيء سوى التسلُّح بما عاهد به نفسه وقت الاستقرار، وبما جهز به حياته لهذه اللحظات.
عين على اللؤلؤ وعين على ما نحاول إنجازه هذه اللحظة؛ هي كل ما نحتاج العمل عليه كل يوم. ربما.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.