تخطى الى المحتوى

الذوق الرفيع عند النساء

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

هناك هدفٌ محدد عند اختيار كل قطعة تلبسها الآنسة خلال يومها.

وعندما كانت تحرِص ماري أنطوانيت (١٧٥٥١٧٩٣م) على أقصى درجات الزينة والتأنق في ظهورها اليومي للعامة، مع وقوفها أمام الرسّام ليرسم صورتها وهي ترتدي وتُظهر أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه المرأة الفرنسية من التأنق، لم يكن دافعها (مثل بقية النساء من النفس الطبقة ذلك الوقت) إظهار الذوق الرفيع مجرّدًا؛ بل كان إظهار امتلاكها للسُلطة والقوة والثراء

هذا الدافع الهش (كما يشير دو بوتون) نبع من عدم إحساسها بالأمان في الاحتفاظ بالمنصب. لتظل في ازدياد هوسي في التأنق ومحاولة ارسال رسالة للجميع مفادها «لا أحد مثلي.. أنا هنا صاحبة السُلطة، وهيئتي هي الدليل» في الوقت الذي كان يُمنع على الخدم والعامة ارتداء زيٍ مشابه لما ترتديه ملكتهم، التي انتهت حياتها بشكلٍ مأساوي بالإعدام، وهي ذات التسع وثلاثون عامًا.

في نفس الصدد، يعتقد باحثي كتاب «حياة أبسط، مدرسة الحياة» أن ذوقنا العام في اللباس تعبيرٌ خفي عمّا نتوق إليه في حياتنا. عندما نحرص على ارتداء «الأغلى» فإننا نتوق إلى الثراء، وعندما نرتدي «الأبسط» فإننا نتوق إلى الحصول على المزيد من البساطة.

وقد نحصل على رسالتين عند مشاهدتنا لأثرياء السيليكون ڤالي، وهم يرتدون تي شيرتًا بسيط مع جينز وحذاء رياضي، أولها: «أنتم تعلمون إننا نستطيع أن نلبس أغلى الأشياء، ولكننا نفضّل أن نختار البساطة (والتواضع) لأننا اعتدنا كثرة المال، ونحن الآن نتوق إلى ما نفتقدهوثانيها: «إننا في الواقع قد نحرص على التقدير من خلال تقدير أعمالنا، دون الاكتراث لهيئتنا

تأتي المفارقة العجيبة، حينما حاولت كوكو شانيل (١٨٨٣١٩٧١م) من خلال تصاميمها؛ التمرُّد على الإرث الذي تركه مجتمعها، من خلال ابتكارها للبنطال والفستان الأسود الشهير والمُريح للنساء، عوضًا عن الفساتين المنفوشة غالية التكلفة. كانت تحاول التملُّص من الصورة النمطية حول إرث شكل المرأة الأوروبية، من خلال تصاميمها البسيطة والجريئة وذات التكلفة المنخفضة، أو كما وصفتها مجلة  ڤوگ عام ١٩٢٦م «كانت شانيل تبحث عن زي موحد للنساء صاحبات الذوق الرفيع».

شانيل اختارت هذا التوجه البسيط، قليل التكلفة، ليُغرم المجتمع النسائي بها، ويزداد الطلب عليها وعلى جُرأتها لتتحول إلى أيقونة الموضة الأشهر بعدها، ليدفع هذا الطلب بها وتصبح حكرًا على الأغنياء دون غيرهم في الزمن الحالي.

تمامًا كما يتحول مطعم شعبي في مدينة ما إلى مطعم فاخر بعد غرام الأثرياء في أكله، ليصبح غير قادر على استقبال ضيوفهم الأساسيين.

ومثل هذه الأيام.. عندما تُقرر السيدة شراء قطعة من محلها المفضل، فهي تشتري ربما (كما يقولون باحثي مدرسة الحياة) ما تتوق إلى إظهاره للعامة، إما البساطة أو السُلطة. جنبًا إلى جنب مع الذوق الرفيع.

 

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع