الفضفضة الثانية عن الكتابة
شجعني أحد القرّاء الكِرام لكتابة هذه المقالة عندما اشتكيت له عن حيثيات قرار بداية العام الحالي حول الكتابة (والذي لخّصته في مقالة بعنوان عشر سنوات في الكتابة).
الموضوع وما فيه إنني باختصار قررت ككاتب مُحب ومخلص لقرّائه، أن أستثمر الوقت والجهد بتركيز أكبر في كتابة الكُتب بدلًا من المقالات، وهذا أمرٌ جيد من ناحية الفكرة والمبدأ، أما التنفيذ فظهرت فيه بعض المشاكل:
١. هناك كتاب جديد سيكون في متناول الجمهور عمّا قريب (بإذن الله)، هذا الكتاب في الحقيقة قديم في الجدول، ولا أود زيادة التعليق حول تكاسلي في إنجازه بالسرعة المطلوبة. صرفت الشهرين الماضيين باستثمار معظم الوقت في أمرين: الأول: في تحريره وإعادة كتابة أجزاء منه، والثاني: صرفت جهود بحدودٍ معقولة لكتابة المقالات الخاصة بنشرة أها! «مع ثمانية» وبضعة مقالات في مدونتي الشخصية.
٢. انتبهت أن القرّاء القدامى للمدونة لم يعجبهم هذا الأمر بتاتًا. لم أكتشف أصلاً أن هناك من يتابع مدونتي منذ زمنٍ طويل وبانتظام، إلا عندما اتخذت قرار تقليص الكتابة فيها، ليظهروا لي فجأة من الظلام مشكورين عبر إرسال الإيميلات يطلبون زيادة عدد المقالات بدلًا من واحدة فقط أسبوعيًا. أخبروني باختصار «أن قرار التوقف عن المقالات قرار خاطئ»، طبعًا إضافة إلى بعض التعليقات المشابهة في التواصل الاجتماعي من هنا وهناك. هذا الأمر حيرني أكثر من محاولتي للاستعراض والله.
٣. واجهت مشكلة غريبة من نوعها (ككاتب): وهي أن عضلة الكتابة اليومية التي أنظِّر وأُفتي الناس حولها من سنوات قد ضعُفت. لم يكن هناك سبيل لتقويتها -على الأقل في تجربتي- سوى الكتابة الغزيرة المنتظمة عبر المقالات، وقد خفّت -كما شعرت- من انخفاضها. طبعًا معها على نفس الخط مشروع كتابة الكُتب، مع محاولة الحفاظ على معدّل انضباط جيد في القراءة اليومية. أصبح هناك تأنيب ضمير حاد يكرر زيارته لي كل ليلة قبل أن أنام، يُطيّر النوم، ويبقيني مع سؤال حلقة اليوم: «الكتب، أم المقالات؟ أم كليهما؟» فأنا والله شاهدٌ على ما أقول: آخذ هذه الحرفة بجدية؛ تقديرًا لكل إنسان يقرأ لي. لم يعجبني الحال «ويدي تحكني» كل يوم في محاولة كتابة شيء لنفسي وللقارئ الكريم، حيث إن كتابة الكُتب تحتاج تجهيزًا ذهنيًا وعمليًا مختلفًا قليلًا عن المقالات، ناهيك عن فترات انتظار طويلة ريثما ينتهي المحرر والمدقق لمراجعة ما كتبته. يمكن إنجاز المقالة من ثلاثين إلى أربعين دقيقة من اليوم، أما كتابة جزء من الكتاب فيحتاج على الأقل ثلاث ساعات متصلة (دون تشتت) كي يُحسب الجهد ضمن الإنجاز الحقيقي.
٤. راجعت أهدافي الكتابية اليوم، وضعت جدول إنجاز جديد بالكامل.. مسحت كل شيء كان مخططًا له، وكتبت خطة عمل جديدة حتى نهاية العام، شهرًا بشهر، ماذا علي أن أكتب، وما هو عدد الأيام المرصودة لكل مشروع كتابي، بما فيهم المقالات، أدعوا الله (مع قولكم آمين) بأن تُنجَز الخطة على خير.
٥. المشكلة المتجددة الأخرى التي تحوف الكتابة بالنسبة لي، هي إنني أملك عملًا خاصًا تحوّل من مرحلة «المشروع الريادي» إلى «شركة في مرحلة النمو»، وهذا كرمٌ وفضل من الله وحده، لا أملك إلا أن أكون شاكرًا وممتنًا لنِعمِه فيه. وحيث إنني اعتقدت أن مشكلتي في إدارة الوقت مع عملي التجاري ستكون أسهل من أي وقتٍ مضى (لأن الشركة قد انتقلت للمرحلة الجديدة)، إلا أن ما حصل على أرض الواقع كان العكس تمامًا. أصبحت مشغولًا جدًا.. وهذا مؤشر خطير، يخالف تنظيري وفلسفتي غير المنقطعة للقراء الأفاضل بأن أوقاتهم خلال اليوم لا يجب أن تذهب كلها في العمل، فهناك أمور أخرى أكثر أهمية، كوجود الأهل والأحبة، والهوايات، والسفر، وغيرها. وهذا ما جعلني اليوم صاحب جدول طافح على آخره من ملفات حساسة في الشركة، وأيضًا جدول الكتابة الذي أُحرِج نفسي فيه أمامكم، تقديرًا وحبًا وإخلاصًا للقارئ الكريم، وتسكيتًا للضمير، كي أنام.
٦. خلاصة القول: ستكون هذه السنة مثل الحياة، لا أقول صعبة، لكنها ليست سهلة.. سأحاول أن ألتزم بإعلاء كفة المقالات لتوازي الكُتب، مع الحِفاظ على مصالح العمل التجاري، والذي أتمنى من العلي القدير أن يقودني في يوم ما لكي أصل لمرحلة الكتابة «فُل تايم». باختصار: أطلب أن تُسامحوني على تغيير الخُطة، وتستحملوا قليلًا ثُقُل الدم من الفضفضة التي لم يعتدها الآخرين، فكاتب هذه السطور وكتاباته لا قيمة لهم دون قارئ كريم بوقته وحبه.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.