تخطى الى المحتوى

[رسالة للخريج الجديد - [في العمل

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

أختي/أخي الخريج (أياً كانت مرحلتك الدراسية) …

أولاً أبارك لك هذه الخطوة المهمة في حياتك، وأسأل الله لك التوفيق أين ما كُنت.

  لا أملك تلك الخبرة الكافية التي تجعلني أُغرقك بالنصائح والإرشادات نحو مستقبل أفضل ، ولا أعلم بداية إن كانت هذه الكلمات ستُقبل مني أم لا، فلستُ إلا أحد الشباب الباحثين عن مستقبلهم مثلك تماماً، وربما تسبقني أنت بسنوات ضوئية في مستوى الذكاء والوعي العام في أمور الحياة والقدرات الشخصية الأخرى. لكن دعني أزعُم أمامك أنني امتلك بعض سنوات التجربة في العمل والعلم (وربما الحياة) والتي كُنت أحتاج سماع خلاصتها منذ زمن طويل، لأتركها بين يديك الآن.

أعيش هذه الأيام عامي السابع والعشرين، تخرجت منذ سنتين من جامعة الملك عبدالعزيز بتخصص إدارة أعمال – مسار التسويق، بعد أن استنزفت مني الجامعة قرابة ٦ سنوات بين أن كوني طالب منتظم ثم منتسب، حتى انتهيت منها على مهل.

عملت منذ سن مبكرة (١٧ سنة) دون حاجة فعلية للمال، فعائلتي بفضل الله أكرموني بحياة ميسورة، وربما كانت السبب وراء بحثي عن العمل لأبدأ خطوة مغايرة بالإعتماد على الذات.  بدأت العمل في أحد المطاعم بوظيفة جزئية أثناء دراستي الجامعية براتب لا يتجاوز ١،٣٠٠ ريال، ثم تحولت إلى نظام الإنتساب لرغبتي الشديدة بالعمل، وتدرجت بعدها فعدة وظائف، حتى استقلت أخيراً من آخر وظيفة عام ٢٠٠٧م من أحد البنوك لأبدأ حياتي مع العمل الخاص. لا أرغب أن أخوض أكثر في حياتي الشخصية فموضوعنا الآن مختلف، فقط أردت أن أبلغك بخلفيتي المتواضعة في هذه الحياة دون وجود استثناءات غير عادية.

أخي العزيز … أكملت هذا العام عامي العاشر في سوق العمل. عدة شركات ووظائف كانت من ضمن محطات الحياة إلى أن وصلت بي لما وصلت عليه الآن، ودعني أؤئكد لك أن كل عام عن عام يزداد تعلقي بأحلامي والمستقبل، وأبحث كل يوم عن ما يزيدني درجة في هذه الحياة.

أود أن أشد على يديك بأن العلم لا ينتهي مع أخر سنة دراسية، بل سيستمر طالما لا تزال أرجلك تخطو على هذه الأرض … ستكتشف دوماً مدى جهلك مع كل كتاب تقرأه بكامل قواك ورغباتك العقلية بعيداً عن فصول الدراسة، وستكتشف أيضاً قلة فهمك فجميع أمور الحياة عند كل محادثة مع شخص أكبر منك سناً وخبرة حتى وإن كان بعد حين.

لا يبحث العمل عن الأكاديميين، ولا تبحث أنت على الورقة التي ستزين بها غرفتك.

يبحث صاحب العمل عن الأداء والإلتزام وسرعة التعلم والصبر والفضول المستمر.  يبحث رب العمل عن كل شخص يرغب في تطوير نفسه باستمرار ويزداد الأمر غرابة إن علمت أن صاحب العمل يبحث عن من يغطي مكانه ويريحه من تعب الأيام أثناء العمل – نعم … يبحث عن أشخاص لا يريد أن يستغني عنهم أو يستغنوا عنه.

من تجربتي المتواضعة … أقول لك بود … لا تبحث عن الزيادات طالما لم تزد شيئاً في أدائك، ولا تلقي اللوم على الوزارات والمجتمع إن لم تبدأ بنفسك.

ابحث عن فرص التعلم في البداية، وتجنب البحث عن المال، لأن المال سيأتيك … إن اقتنعت أن لك سعر وقيمة سوقية تتمثل في دخلك الشهري، ولن يزداد أي منها طالما لم تزداد علم وخبرة حقيقية تصنع الفرق.

أؤكد لك يا صديقي أن الأصدقاء سيمثلون دوراً محوري في حياتك أكثر من أي وقت مضى، فإن عاشرت الطموحين ستقترب أكثر من النجاح، وإن عاشرت الفاشلين … لن تفشل بالطبع! لكن ستؤخر نموك يوماً بعد يوم.

ليتني أستطيع أن أعود بالزمن إلى الوراء لأبحث عن مُرشد لي في حياتي العملية، لأقتدي به … وابحث عنه وقت الضيق، وأتعلم منه تجارب السنين التي ربما ستقلص مشاكلي بإذن الله إلى النصف.  حياة العمل ليست سهلة … فالإجازات أقل بكثير والالتزامات أكثر بكثير. ولن تستطيع تحمل المشوار طالما كُنت تشبع رغباتك واهتماماتك [فقط] مع راتب نهاية الشهر.

ربما لن تستطيع أن تعمل في عمل تُحبه في البداية، لكن دعني أقول لك أن البحث عن العمل (والحياة) التي تُحبها يجب أن تكون ضمن أولى أولوياتك، فليس فينا شخص يطيق أن يضيع ثُلث عمره في عمل شيء لا يحبه.

عاشر كل من تريد أن تُصبح مثلهم، واقتدي بمن تريد أن تحل محلهم ذات يوم … فلو دامت لغيرهم لما وصلت لهم، وربما ستكون أنت بفخر من ستصل إليك في النهاية.

لا تنصدم بالواقع إن علمت أن فصول الدراسة تختلف كلياً عن مكاتب العمل، فكل ما تعلمته لا يمثل إلا صقلاً للشخصية وتربية للذات وربما بعض الأسس التي ستساعدك في العمل.  أؤئكد لك أن الشهادة جزء يسير من الحياة العملية، لأن البحث عن الأحلام، والسعادة، وتغيير الآخرين هي التي يُفترض بها أن تكون محور حياتك، وليس ما أنجزته هناك داخل الفصل وأمام أساتذتك.

ليتني أستطيع أن أمارس بعضاً من الضغط عليك بدخول سوق العمل منذ سن مبكر قدر المستطاع، أياً كانت مرحلتك الدراسية، فالخبرة ستشعرك بالفرق بعد سنوات قليلة، والأهم أنها الأهم في الحياة الواقعية.

ولا أريد أن أُقلل من معنوياتك إن قُلت لك أن الشركات لن تتحمس كثيراً على توظيف أو مشاركة متخرج جديد على مشارف الثلاثين! بل هي دعوة لك للتفكير بالأمر في سن أبكر.

اللغة الإنجليزية ليست مطلب وظيفة بل حاجة ماسة للحياة، وعدم إلمامك بأهم برامج الكمبيوتر (باور بوينت وإكسل على الأقل) قد يكون سبب مباشر لانخفاض سعرك إلى أقل من نصف ما تستحق.

لن يفوتني أيضاً إن قُلت لك أن البيع أهم المهارات التي يجب أن تُتقنها مهما كلف الأمر، لأن البيع لا ينحصر على عميل ومقدم خدمة كما يحسب البعض، بل سيتمثل أمامك أثناء بيعك لأفكارك أمام زملائك ورؤساك، وربما مرؤسيك في المستقبل، وستصعب عليك المهمة كثيراً إن لم تقتنع بأهمية هذه المهارة.  بل ستفقدها تماماً إن التزم الأمر بحثك عن مستثمرين لمشروعك الجديد.

لا تتردد بالسؤال، ولا تخشى النصيحة التي لا تريد سماعها وإلا لما سميت نصيحة … بل مُجاملة. وصدقني لن يبخل أحد عليك بأي معلومة.

وأخيراً … أود أن اختم هذه الكلمات بأمرين لا يحتملا النقاش كما علمتني التجارب: إياك والعبث  « بالقيم »في العمل وتسلح « بالصراحة » المطلقة مع الآخرين، لأن كلتاها سيجنبك الكثير من اللغط ومشاكل أنت في غناً عنها.

دمت بخير

أخوكم/ أحمد حسن مُشرف

ahmad@knowledgeable-group.com

أكرمني بمشاركتك لهذه المقالة إن ارتئيت فيها أي فائدة مع أي شخص حديث التخرج من أي مرحلة، فهي مني لنفسي منذ سنوات قبل أن تكون لغيري.

شؤون اجتماعيةعن العمل وريادة الأعمال

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول