تخطى الى المحتوى

سيداتي سادتي سنتحدث اليوم باللغة الإنجليزية

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

«سيداتي سادتي، يسعدني إبلاغكم رسمياً اليوم بتحويل جميع أقسام وفروع الشركة من ناطقة ومستخدمة للغة اليابانية إلى اللغة الإنجليزية آمل منكم التكرم واعتماد هذا القرار ابتداءاً من اليوم، تحياتي»

– هيروشي ميكيتاني، الرئيس التنفيذي.

هذه هي الصيغة التقريبية التي استخدمها Hiroshi Mikitani مؤسس ورئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لشركة راكوتين.كوم  في طوكيو، أكبر ثالث شركة تسويق إلكتروني في العالم بعد أمازون و إي باي ، لتكون الصاعقة الكبرى لجميع المدراء والموظفين الذين تجاوز عددهم ١٠ ألاف شخص في عدة مكاتب مختلفة في اليابان وتايوان وأمريكا وغيرها من الدول الأخرى التي تتواجد بها فروع الشركة، لم يكن من السهل على الأغلبية الساحقة مجرد التخيل باعتماد هذه اللغة الغريبة التي لا يستطيع معظمهم فهم جملة واحدة إن نُطقت لهم أو التفوه بغير <<يس، نو، أوكي>> بأن تكون لغتهم اليومية الدارجة والتي يجب على الجميع اعتمادها وتعلمها شاء أم أبى أو عليه التكرم بتقديم استقالته!

سبب هذا القرار توتر عام وربكة شديدة أدت لاستياء الأغلبية وانتشار حالات قلق واكتئاب عام في الشركة، وخصوصاً لأصحاب المناصب الرفيعة وبالأخص من تجاوز سن الأربعين. فقد تم قلب الطاولة على البعض ليتمكن الموظفين الخريجين حديثاً بقيادة دفة المشاريع بسبب تفوق عامل اللغة بشكل بسيط. وخلال أيام قليلة ووقت قياسي تم عقد مجموعة اتفاقيات مع معظم المعاهد في اليابان لتعليم اللغة الإنجليزية بابتعاث منسوبيها ليلاً لتعلم اللغة الإنجليزية بعد الإنتهاء من الدوامات الرسمية. أصبح هذا القرار الغريب حديث الإعلام المختص بالمال والأعمال ، وقد وصفه الكثير من النقاد والمحللين بالمجنون لاعتماد مثل هذا القرار بهذه السرعة دون تدرج لحجم كحجم هذه الشركة!

وقد صرح ميكيتاني:

<< لقد شكى لي كثيرٌ من الموظفين استيائهم الشديد من هذا القرار ، حيث أصبح البعض لا يستطيع رؤية أهلهم وأصدقائهم مساءاً على حد قولهم، وفي الحقيقة لقد تعاطفت معهم، لكن ذلك لم يمنعني من اتمام المشروع أو التأخر عنه لحظة واحدة>>

<< لو أعطيت مجلس الإدارة ومنسوبي الشركة الفرصة لمناقشة هذه الخطوة، لم تكن لتتم بطبيعة الحال، بل أعتقد أن الأغلبية ستتهمني بالجنون وذلك ما قد حصل بالفعل>>

<<من الأشياء الطريفة أثناء اتمام مشروع تعميم اللغة الإنجليزية، أن معظم الموظفين أصبحوا اكثر انتاجية وذلك بسبب عدم امكانيتهم اتمام النقاشات بشكل موسع لتنحصر المحادثات الهاتفية وغيرها من التواصل حول طلبات محددة وتنفيذها دون التطرق لأشياء جانبية شخصية>>

آمن ميكيتاني أن الشركة لن تتمكن من النهوض للمرحلة التالية إلا عبر اتخاذ هذه الخطوة، ليجعل راكوتين تستهدف السوق العالمي بدل استهداف السوق الياباني فقط، وكان اتفاق معظم من تناولوا هذه التجربة أن هيروشي كان يرى ما لا يراه الآخرون وإن كانت هذه الخطوة في مصلحة الأغلبية. نجحت هذه التجربة رغم المشاكل والصعوبات البالغة التي صاحبتها لتكون إحدى أهم القضاية التي تناولتها جامعة هارفرد في ذلك العام ، وليتمكن هيروشي من تطبيق مبدأ <<التمكين>> الذي يتحدث عنه دائماً.

<<مكّن موظفيك وشركائك ومورديك ونفسك أولاً لتتمكن من النجاح>> وكان يرى ذلك المفهوم بإلزام الجميع بالتحدث باللغة الإنجليزية كأحد أهم عوامل النجاح بإضافة الصبغة العالمية بشكلها الصحيح.

الجدير بالذكر أن هيروشي يعد أغنى رابع رجل في اليابان بحجم ثروى تجاوز ٤،٨ مليار دولار حسب إحصائية فوربس، وتشابه الخلفية العملية لهذا الرجل مع منافسه جيف بيزوس الرئيس التنفيذي لأمازون.

ادعوكم للإطلاع على سيرته بشكل مفصل في كتابه بعنوان Marketplace 3.0

 

عن العمل وريادة الأعمالكُتب واختيارات للقراءة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)

مقدّمة: إن كُنت أحد سكّان مدينة جدة، أدعوك لحضور أمسية ثقافية يوم الاثنين (٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤م) بعنوان «الشعور بالانتماء ضرورة أم رفاهية؟». رابط التسجيل هنا. تنورونا. ننتقل إلى ملفّات القراء.. السلام عليكم، أشكرك أخي أحمد على إتاحة الفرصة لي، سؤالي كم ساعة تقرأ باليوم، وهل تقرأ كتاب

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)
للأعضاء عام

اقتراحات سبتمبر ٢٠٢٤م: كتب ومطاعم وبودكاست

الكتابة (من ناحية تسويقية) لا يجب أن تميل مع ميل صاحبها للموضوعات التي يُحبها. كان هذه ثمرة عدة نقاشات متفرّقة مع أصدقاء عزيزين هذا الشهر. طبعًا أختلف! سوف يكون التطبيق العملي لهذا الاختلاف عدم كتابة مثل هذه المقالة التي تحمل اقتراحات خاصة مختلفة ومتنوعة. على كل حال

اقتراحات سبتمبر ٢٠٢٤م: كتب ومطاعم وبودكاست
للأعضاء عام

في تعليق الشهادات على الجِدار

يعترف لي صديقي العزيز قبل أيام، أنه بعد قراءته لكتاب «وهم الإنجاز»، قام بإزالة كل الشهادات التي حصل عليها في حياته المهنية من الجدار خلف مكتبه. ويعتقد مازحًا إنني كُنت سببًا لكسر فرحته بها. صديقي هذا من خيرة الشباب الناجحين (وشديدي التهذيب)، وبعد أن اعترف، أخبرته بصدق