تخطى الى المحتوى

عن الغيرة من مصر

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

قرأت*:
«يقول آلان دو بوتون: «لا يشعر الشخص بالغيرة ممن يفوقونه، إنما يغار ممن يماثله». بمعنى أنه لا يثير غيرتكَ أن يضع رجل أعمال يده على حديقة عامة خمسة وستين فدانًا ملك المواطنين في الشيخ زايد، لكن يقودك للجنون أن يضع جارك يده على مساحة أمام العمارة لركن سيارته «بجنزير». لا يثير غيرتكِ زواج امرأة عربية من «جورج كلوني»، لكن تقتلكِ الغيرة في حنة ابنة عمتكِ تغني أمامكِ وأنتِ العزباء: «وردنا مش وردكم.. ما خطبش ليه من عندكم».
هناك فرق بين «أن تغار من» و«أن تغار على». مثال: كانت غيرة جيهان السادات «على» زوجها كبيرة عندما كانت فيفي عبده ضيفة سمير صبري في أحد برامج التلفزيون نهاية السبعينيات، وسألها صبري: «إنتِ من فين؟»، فقالت له: «من ميت أبو الكوم» ، فقال صبري فخورًا وفرحًا: «آه، بلد الريس». طبعًا اللحظة التي صارت فيها ميت أبو الكوم تقدم في جملة واحدة رئيس جمهورية وراقصة، كانت موجعة، فكان قرار غير مكتوب من قرينة الرئيس بعدم ظهور الراقصة والمذيع مرة أخرى على الشاشة. رأت قرينة الرئيس في تصريح فيفي إهانة لمكانة مصر، وهي المكانة التي عبَّرت عنها فيفي بعد أربعين عامًا بتصريحها الشهير: «دي مذكورة في القرآن يا أولاد الأ*ـبة». والغيرة نفسها أنواع (وأرجو أن تغفر لي نزوة الإفتاء التي تهاجمني كل 3500 كلمة):
الغيرة العادية: هي حالة أنت مشغول فيها بنفسك، تتأمل ما يؤرقك عند الآخرين ويثير غيرتك، وتتخذ من نفسك نقطة ارتكاز لرد فعلك، تنتقم بأن تتقدم. مثال: سحبت أم كلثوم من سيد مكاوي كلمات أغنية «أنساك»، لأنه طالبها بالاتفاق على الأجر قبل العمل، وهو ما اعتبرته الست إهانة. وأعطت الكلام إلى بليغ حمدي، فلحنه، وكانت انطلاقة عظيمة جرت بعدها أعمال كثيرة أدخل فيها بليغ على فرقة الست الأورج والجيتار الكهربائي، وصارا تفصيلة ثابتة في فرقتها. وبعد سنوات، زال الخلاف بين مكاوي والست، وطلبت العمل معه. غيرة مكاوي من المساحة التي شغلها بليغ في لحظة قدرية جعلته يؤسس لحنه العبقري «يا مسهرني» على فرقة موسيقية بلا أورج أو جيتار. مسح ما أنجزه بليغ، وعاد بأم كلثوم إلى التخت على الرغم من مخاوفها الشديدة، وقدَّم عملًا فذًّا دفع أم كلثوم لأن تسحبه من يده إلى خشبة المسرح وتُقدِّمه إلى الجمهور بعد الحفل، وهو ما لم تفعله في حياتها مع أي ملحن، ولا حتى بليغ.
عندك النفسنة: وهي حالة غيرة أنت مشغول فيها بالآخر أكثر من نفسك، تتمنى له الخسارة حتى تهدأ روحك. مثال: كانت نادية الجندي (التي لقبت نفسها بـ«نجمة الجماهير») تخصص موظفًا لحضور عروض أفلام نبيلة عبيد (التي لقبت نفسها بـ«نجمة مصر الأولى») ليقدم لها تقريرًا عن مدى نجاح الفيلم. وفي مرَّة استمر عرض أحد أفلام نبيلة أسبوعين فقط (وكان وقتها نجاح الفيلم لا يُقاس برقم الإيرادات، ولكن بعدد أسابيع عرضه)، فاتصلت الجندي بعبيد فرحة، وتركت لها على «الأنسر ماشين» رسالة: «ده الفيلم الأولاني، عقبال التاني». كان الفيلم المعروض وقتها تجاريًّا بحتًا، وتعلمت عبيد الدرس، فقررت أن تقدم فيلمًا ذا فنيات عالية، فكان «الغرقانة» مع محمد خان، وكان الفشل من نصيبه أيضًا، وتلقت البطلة من جديد عبر «الأنسر ماشين» رسالة الجندي: «أهوه التاني أهوه، والتالت جاي». عندك الحقد: وهي حالة غيرة أنت مشغول فيها بالآخر أكثر من نفسك، لكن لا تكتفي بتمني الخسارة له، بل إنك تقدم كل ما تقدر عليه لتكون سببًا في هذه الخسارة.»


[*] عمر طاهر، من علّم عبدالناصر شرب السجائر، دار الكرمة ص٤١٢ (كيندل داخلية).

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع