قصة قصيرة: عقد سابع من الرقص
إنني غاضبة الآن …
غاضبة لأنني أصبحت اقترب كل يوم خطوة من عدم القدرة على تعليمهم تلك الحركات في مخيلتي.
غاضبة لأنني … أجد نهاية العالم لا تنتهي طالما نملك القدرة على الرقص، ليس لأنه الرقص … بل لأنها حياة اخترت أن أعيشها … ولأنني أذكر نفسي كل يوم بأنني حرة باختياري للرقص، فهي كهذه الكلمات … من أصدق اللحظات في حياتي. نعم، عكسهم …
يجدون نهاية اليوم أكبر همومهم، وإن كان البعض منهم لايفكر في الأمر كشغف يعيشه، إلا أن حبهم لهذا العالم قد يبرر لهم القليل.
أتحدث عن بناء أحلام بأحاسيس نعيشها، ننقلها إلى المسرح أمام أحاسيس أخرى أتت لتنتظر الكثير.
خمسة عقود مرت وأنا أصمم تلك الرقصات لأشهر الأفلام والمسارح. ارسم لحناً مع كل لحن … أسحر العيون قبل الأذان، أنقل أحاسيس عميقة … نعم هذا هو التعبير الأفضل … أنقل الأحاسيس العميقة متزاملاً مع الموسيقى، الأدخنة، وبعضاً من استعراض الأجساد والملابس.
والآن … بدأت أغضب لأنني لا أستطيع مشاركتهم ساعات التدريب، فقد تجاوزت السبعين منذ فترة، وإن كُنت لا أسعى لمنافسة نشاطهم وقدرتهم الحركية، إلا أنني أغضب الآن لعدم قدرتي للسيطرة المطلقة، وقبلها معاناة أخرى بمحاولة التعايش مع أفكارهم … عُقد النساء ومكر الرجال يستمر حتى في هذا العالم المليء بالحركات الجسدية!
تزوجت … وعشت مراهقتي منذ أن كان العالم يتصارع على أمور تافهة (حقاً آجدها تافها ولا زلت). والآن لا أملك أقل القليل من غيرة النساء، أو طموحاتهم المضحكة … فأنا مشغولة طيلة الوقت، كُنت ولا زلت وسأستمر بإنشغالي … مشغولة في خلق أسحار جديدة، وأغضب اليوم لأن خلطتي السحرية بدأت تضعف أمام هزالة الشباب المغلوبة بطيشهم! أصبحت تتخالط مع خلطات “سعرية” أخرى.
لم أعمل حساب هذا اليوم الذي سأتوقف فيه عن الحركة، ورغم اعتزازي بكل هذه الإنجازات والأسحار … إلا أنني ازداد شغفاً كل يوم، وازداد رغبة للبكاء من سخافة المنشغلين بغير همومهم!
“يجب أن يصنعوا لكي تمثالاً، وسط منهاتن” ، منذ أن قالها لي وودي آلن وكل يوم تزداد الأمور تعقيداً عند ازدياد وتيرة الشغف والأحاسيس التي أريد إيصالها، وكأن التقاعد يثبت وضعيته من قبل الإنسان، لا سنته الكونية وحال الدنيا كما يزعم البعض.
أغضب الآن لأنني أجد نفسي الأكبر سناً، والأكثر التزاماً، بل إنني أكثر التزاماً منهم عندما كنت في سنهم. ليست محاولة ساذجة لتكرار مانقوله لأبناءنا، وأيضاً كي لا أقحم حياتي لأشارك تفاصيل خاصة عند غيري تقودني لجدار مسدود.
أصمم … أتمرن … وأعيش نقاط الضعف وحركاتي السخيفة (أمام الغير) كل يوم لأخرج للعالم بالحقيقة … الحقيقة الماسية التي لا تظهر إلا بعد الكثير من عمليات التفحم.
أغضب الآن لأنني ابتعد خطوة كل يوم بمجرد التفكير لابتعادي خطوة …
نعم، خمسة عقود من العمل لم تكفيني بعد، كم أريد أن أعيش حياة أخرى … لأغضب منهم أكثر وأحلم أكثر.
*****
“مُلهمة من مصممة الرقص العالمية تويلا ثارب – دون نسب أي كلمة مما كُتب أعلاه لها-“
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.