كيف يتحول الإنسان إلى وحش؟
فارلام شلاموف شاعرًا أمضى خمسة عشر عامًا في سجن «الجولاج». كتب ذات مرة كيف يمكن للناس العاديين أن ينهاروا تحت الضغط والتقلّب:
«خذ شخصًا صالحًا وصادقًا ومحبًا وجرده من الضروريات الأساسية وستحصل قريبًا على وحش لا يمكن التعرف عليه؛ سيفعل أي شيء للبقاء على قيد الحياة في ظل الضغوط الشديدة»، وأضاف: «يصبح الرجل وحشًا في ثلاثة أسابيع من الضغط».
«… إن هذا هو السبب الحقيقي يكشف بأن التاريخ مليء بالعديد من الأعمال التي لا توصف. لا يتطلب الأمر الكثير من الضغط لكي يتخلى الناس عن معتقداتهم الراسخة ويقولون «حسنًا، دعنا نختار اتجاهًا آخر» لذلك فأنت لا تعرف أبدًا ما يستطيع الناس تصديقه أو فعله حتى يتم حصرهم في الزاوية».
هكذا بسرعة، يتحول نفس الأشخاص المحبين الصادقين لأشخاص آخرين عندما نضعهم في ضغط زائد قليلًا. لا ينطبق هذا الأمر على الأشخاص فقط، بل على سلوك العامة والقياديين، بل وحتى أقوى المؤثرين.
يُشير في إحدى حلقات مسلسل «ناركوس» الضابط ستيڤ مورفي الذي أشرف مع زميله الضابط خافيير بينا على القضاء على تاجر المخدرات الشهير إسكوبار حال الثروة التي تتحول من حجم كبير شديد الصعوبة في الحصر إلى زوال تام، بأنها تتآكل قليلًا في البداية بسبب خللٍ ما لم يستطع صاحب الثروة بالسيطرة عليه، ثم تحترق مثل الرماد!
لماذا؟ لأن نفس الإنسان الذي استخدم عقله لتنميتها، لم يعد هو نفس الإنسان الذي تحول إلى كتلة فوضى عاطفية تحاول إخماد النيران في كل حدب وصوب حتى تأكل كل شيء.
عندما يتابع الإنسان حال من يفقد احتياجاته الأساسية (أو ما يعتقد أنها حاجاته الأساسية) قد يستغرب نسبة اختلاف التصرفات، يتم الحُكم عليه ولا يصبح الانطباع حول العاقل عاقلًا. هذا ما جعل نابليون بونابارت يؤمن باعتقاده أن العبقرية العسكرية لا تخرج عن كونها «رجل يمكنه فعل الأمور العادية، عندما يصاب كل من حوله بالجنون».
إن ما يقوله بونابارت بلغة أخرى هو أمر غاية في البداهة؛ بأن يكون الشخص نفسه قبل وأثناء الأزمات والضغوط الاستثنائية، أن يتسلّح بالتعقل في الوقت الذي يدفعه من حوله للتحول إلى وحش أو إنسان شديد الحساسية عاطفيًا.
في عالم الاستثمار مثلًا هناك قول مأثور للمستثمر الشهير وورن بافيت «كن جشعًا عندما يكون الآخرين خائفين، وكن خائفًا عندما يكون الآخرين جشعين» أو بلغة أخرى «كن طبيعيًا عندما يصاب كل من حولك بالجنون». إلا أن هذا القول بطبيعة الحال أسهل من الفِعل، لا سيما إن اقترن بوجود أشخاص آخرين حولنا من السهل عليهم ألا يتسلحوا بالتعقّل، فتأتي بعض الاقتراحات المجنونة في غير وقتها.
عندما يراجع الإنسان أسوء قرارته المالية أو الحياتية سيلاحظ بلا شك بأن نفسيته وقت القرار لم تكن نفسها أثناءه، وهنا ربما يستدعي الأمر قليلًا من التريث والابتعاد عن أحداث القرار، واستشارة من لا تربطهم أي جوانب عاطفية للظروف.. (لا نستشير الوالدين أو الأصدقاء المقرّبين في قرارات علاقاتنا وقت الأحداث السلبية، ولا نستشير الأبناء في الأزمات المالية، ولا نستشير زملاء العمل المقرّبين في القرارات المهنية الصعبة) بل نبحث عن البعيدين العاقلين إن وجدوا.
فهم الفرق بين حالتي الإنسان قبل التوحش وبعدها هو لفتة النظر الأولى هنا. لفتة النظر الثانية من واجب القارئ الكريم.
كان الله في عون الجميع.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.