تخطى الى المحتوى

لا تكمل دراستك: الجزء الأول - (الفصل الأول: هاجس الجامعة والبدايات)

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

الجزء الأول/ طالب الجامعة 

الفصل الأول: هاجس الجامعة والبدايات 

« التعليم الأكاديمي يؤمن لك المعيشة، وتعليم الذات يصنع لك الثروة »

                                                                                              – جيم رون  

 

التخرج

أول أسبوع بعد انتهاء السنة التوجيهية، توجهت مباشرةً لمدرستي وحيث أنني وبطبيعة الحال كنت اتهرب من هذه اللحظة الصعبة التي كنت وبلا شك اتوقع نتيجتها، والتي في الحقيقة صدمتني بكل معنى الكلمة.

 استلمت شهادتي وهي تحمل أسوء معدل دراسي حققته في حياتي (اعتقد أن ترتيبي كان قبل ماقبل الأخير في الفصل)، وتمثلت الصدمة في حجم الفشل الغير متوقع بالنسبة لي إضافة لعدة تقلبات في المشاعر بشكل عجيب، صاحبت مجموعة اضطرابات مريبة حول ما يمكنني قوله لأهلي وأقاربي وأصدقائي حول هذا العار الذي لحق بي.

رجعت للبيت وتوجهت لوالدتي لأخبرها ببُشرى النجاح مع التهرب من ذكر المعدل، ولكن دون جدوى طبعاً، رأت أمي الشهادة وقالت: مبروك النجاح ياولدي، وطبعاً حصل ماكنت لأتمناه.. بكت أمي من المعدل المذكور أسفل الشهادة وبكيت معها مع حرقة الإستسلام للواقع الذي سأواجهه.

 كيف سأكمل الجامعة ؟؟ وماهي الجامعة التي ستقبلني؟؟ الوظيفة؟ الزوجة؟ ماذا سنقول لأفراد العائلة (الدوافير) ؟؟

اتصلت والدتي بإحدى أخواتي الكبار، لتبلغها بنجاحي (مصيبتي) وقد هونت عليها بأن الحياة ستستمر مع ذكرها قصة فلان وعلان من أقربائنا في العائلة وكيف استمرت حياتهم العملية بشكل مقبول دون اتمام دراسة الجامعة وهم متزوجون الآن ويعيشون حياة بسيطة (على قدهم) ولكن بطبيعة الحال يجب الإستسلام لهذا المستوى التعليمي ليكون هو المستوى الإجتماعي المستقبلي. فعلى سبيل المثال لن يحق لي طلب يد إنسانة جامعية !! لأنها لن ترضى بشخص يربي أولادها ووصيها الشرعي أقل منها فكراً وتعليماً.

 لم أكن أدري وقتها إن كانت هذه إحدى مصيباتي (المحسوبة) مبكراً، أم إبلاغ والدي هو المصيبة الأعظم.

 تم إبلاغه، وتوتر والدي كثيراً حين علم بالخبر مع إخفائه الحزن المخلوط مع الغضب والحسرة الكبيرة على تلك المبالغ الطائلة التي صُرفت على المدارس الخاصة والمدرسين الخصوصيين طوال تلك السنين، والتي أدت أخيراً لخيبة أمل غير مبررة.

ذهب والدي يوم الجمعة التالية لمنزل الدكتور أسامة الطيب (مدير جامعة الملك عبدالعزيز) بعد أن استنزف جميع اتصالاته وواسطاته على أمل يتمسك بأي خيط يمكن له أن يدخلني الجامعة بهذا المعدل الحقير، وتوصل بطريقته الخاصة لعنوان بيت الدكتور أسامة، وسلم ظرف مغلق لسائق البيت ليسلمه لكفيله متضمناً كل مايمكن أن يكتب في سبيل إلتحاقي بالجامعة. لكن دون جدوى، وحقيقاً لم ألقي اللوم عليه وليس هناك ما يستدعي لذكر هذا السبب. مع التذكير هنا بعدم بدأ برنامج خادم الحدمين الشريفين للإبتعاث وقتها.

وبعد سلسلة إتصالات هنا وهناك توصل والدي لحل قد يكون مرضي نسبياً وأنا لا أملك أي شجاعة حتى بمحاولة فتح نقاش حول ماهية الفرص المتاحة، لأني سأفتح النار على نفسي وقتها بكل سهولة. وكانت فرصتي بكل بساطة هي الإنضمام للجامعة عبر برنامج استحدث وقتها وكان يسمى بـ(السنة التأهيلية المدفوعة) لتكون بالتالي لدي فرصة استغلال أول فصلين دراسيين لأرفع المعدل ويمكنني وقتها الإنضمام بكل بساطة لطلاب الإنتظام تحت أي تخصص أريد، طبعاً باستثناء الطب والهندسة.

تم تسجيلي وقتها في هذا البرنامج، لتبدأ مرحلة جديدة من حياتي ولتكون فرصة وعظ الأهالي المصاحبة بأقسى أنواع التهزيء حول ما مضى قد حانت…

« لو اشتغلت بياع في الحلقة تعال قابلني »

« إنت حاب تنتقم مننا ؟ »

« شوف فلان وعلان أحسن منك  »

العمل في صنع السنتدويتشات

بدأت مسيرتي كطالب جامعي وأصبحت ملتزماً بجدول المحاضرات. ولكن هناك شيء غريب بداخلي يحول دون اقتناعي بهذه الظروف ككل! وحقيقة لم اكتشفه إلا بعد أشار علي ابن خالي ياسر مشرف بالعمل لدى مطعم (صب واي) وكان وقتها يعمل لدى المطعم بوظيفة إضافية في المساء كفرصة دخل إضافي واستثمار للوقت إستعداداً لزواجه، مع العلم أنه كان يشغل وظيفة ممتازة في الصباح في مختبر إحدى المستشفيات الحكومية بجدة.

تحمست كثيراً للفكرة وخصوصاً مع ولعي الشديد بالأكل والطبخ كهواية منذ صغري، ذهبت لزيارة المطعم وقابلت السيد الكريم عبدالله يغمور الذي لم يتردد بتوظيفي بدوام جزئي مع التنسيق حول جدولي الجامعي لأتمكن من موازنة يومي بشكل لا يضر عملي دراستي والعكس صحيح، خصوصاً مع ندرة الشباب السعوديين الذين يعملون في هذه الوظائف وقتها ومحاولة تحفيزهم لهذا النوع منها.

« ماذا ينقصك (مادياً) لتعمل في مثل هذه الوظيفة؟ »

« ماذا سيقول أهل المدينة عنك لو علموا؟»

« أنت لا تعلم حجم المسئولية الكبيرة عليك خلال هذه السنة لكي ترفع معدلك وتنتظم »

كانت تلك مجموعة هجمات شُنت علي من قبل أهلي ووالدتي العزيزة حرصاً منهم علي لخوض الطريق الصحيح الذي سيتكفل بمستقبلي دون أي منغصات. ولكن على عكس ماكان متوقع، حيث تعلمت في وظيفتي الثانية (بعد وظيفتي التدريبية الصيفية الأولى في أحد البنوك) الكثير من المهارات التي لم يخطر ببالي يوماً أنها ستستمر معي كشخص مدى الحياة كالتدرب على سرعة تقطيع الخضار، والحفاظ على المطبخ بشكل صحي، والتعامل المثالي مع جميع أنواع الزوار، وتقبل الهجمت والسخريات من البعض، وطبعاً تقبل آخرين لعمل سعودي في مطعم!

« إنت سعودي؟ »

« تعال لكي أوفر لك وظيفة أفضل »

وغيرها من العروض الظريفة.. استمتعت حقاً بتلك الوظيفة التي كانت تستهلك ستة ساعات يومية من وقتي براتب ١،٢٥٠ ريال شهرياً كنت أراها أكبر نعمة حلت علي، لأتمكن بصرفها كما يحلو لي دون أي استفهامات، مع الإشادة أن عائلتي الكريمة لم تقصر بأي شيء حول مصروفاتي ومتطلباتي العادية، ولكن حب الإستقلال بدأ والرغبة في نيل مساحة من الحرية أدى لهذه النتيجة.

… يتبع

 جميع الحقوق محفوظة لدى/ أحمد حسن مشرف 2013 ، مؤسسة علم الخبرة س.ت. 4030241246 ، ولا يجوز نسب ما سيكتب لغير صاحبه بأي حال أو دون وجود إذن رسمي.

شؤون اجتماعيةعن العمل وريادة الأعمال

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول