تخطى الى المحتوى

لا نُريد المزيد من الأطباء والمهندسين (٢/٢)

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

في الجزء الأول من هذه المقالة تحدثت عن ١. الحب فاختيار مانريد أن نكون عليه من المستقبل ٢. عوضاً عن تقبل الضغط الإجتماعي الذي يواجه الطلاب من قبل الأهالي حول اختيار التخصصات، وتحديداً أن يكونوا أطباء أو مهندسين.

يطول الضغط الإجتماعي في هذا الأمر ليصل إلى خلط الأمور ببعضها في كل ما يتعلق بالتخصصات، وأذكر هنا عدة أمثلة للتوضيح.

إسمي: أحمد

وفي البيت تناديني إبنتي: بابا ، والخادمة: “ميستر” إن كانت جديدة – لتناديني فيما بعد بـ أحمد. وبالطبع بعض الألقاب الرومنسية من زوجتي.

وفي العمل … يناديني البعض (حسب الظروف والمواقف) بـ الأستاذ أحمد أو أبو سيرين أو السيد أحمد أو ليكتفوا بأحمد فقط.

لعلي وإن كُنت أزعم أنني كاتب … فأني أمثل شخصية الكاتب أثناء قرائتك لهذه المقالة … وأمثل دور المدير أمام مرؤسي، ودور الـ”بابا” أمام إبنتي، وأبو حميد أمام والدي، وأحمد أمام بقية المجتمع، وشاب أعمال إن لزُم تعريفي على الآخرين بشكل شبه رسمي! – وليتني أستطيع إثبات نيتي في هذا الأمر، عبر جعل الجميع ينادونني أحمد فقط!-

لا أحاول التحذلق في هذه المقالة، لكن بالفعل أجد أن الألقاب (في غير إطارها الرسمي) تقلل من أهمية الشخص لشخصه.

سئل المرحوم غازي القصيبي عن سبب عدم وضعه لحرف الـ “د” أمام إسمه في أغلفة كُتبه، وأجاب: أنه يخشى أن يصنع هذا الحرف عائقاً بينه وبين قرائه.  فهو روائي وكاتب بالنسبة لهم … ودكتور وصاحب معالي في الاجتماعات والمناسبات الرسمية، وبالتأكيد “بابا” في المنزل!

(حكى لي أحد الأصدقاء مرة … أن أحد الأطباء لا يُجيب تماماً على من يناديه بإسمه المجرد ، حتى من قبل عمالة منزله)

(وآخرين يقولون: لم أدرس عدد كذا من السنوات لتناديني أنت بإسمي المجرد!)

لا يعجبني استخدام الأحرف والألقاب في المواضع [غير الرسمية] خصوصاً عندما يعرف الشخص نفسه بنفسه (أنا الدكتور فلان بن فلان) وتحصل كثيراً عندما نلتقي مع أحدهم أثناء شرب القهوة!.

وتجد أيضاً الكثير من الأطباء [الكُتاب] يضعون حرف الـ “د” أمام رواياتهم الرومنسية التي ألفوها، وهم في عياداتهم أصحاب تخصصات قد لا ترتبط ١٪ بعنوان الرواية! … وأود التذكير بأنك/بأنكي أمامي في الرواية بصفتك الإنسانية أولاً ثم بصفتكِ كاتبة تلمسِ مشاعري وتثقفيني عبر كلماتك … ولستِ في موقف لتثبتي لي أنكي طبيبة أنف وأذن وحنجرة … هذا رأيي الشخصي.

وأعتب قليلاً على مبدأ استخدام الألقاب (في كل وقت وأي مكان) على الثقافتين البريطانية والمصرية، فقد حرصوا على تثبيتها حتى وإن كان أحد الملقبين عاطلاً عن العمل، أو تم إثبات عدم نجاحه بحمل هذا اللقب!

ويتميز الأمريكيين بابتعادهم عن هذا الأمر كلياً بعيداً عن الإطار الرسمي.

آرثر كونان دويل (مؤلف سلسلة روايات شيرلوك هولمز) كان طبيباً، ولم يحدث أن ذكر ذلك في أياً من كُتبه، وجون جريشم كان محامياً، وستيفن كوفي وجون ماكسويل وغيرهم المئات لم يضعوا حرف الـ”د” أمام أسمائهم على كُتبهم (رغم أن الأخيرين يكتبون في صلب تخصصاتهم العملية).

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل رغبة الأهالي والمجتمع تدور حول التخصصات والقيمة الحقيقية ورائها فعلاً؟ أما رغبتهم بوضع حرف الـ”د” أو الـ”م” أمام أسماء أولادهم؟

إن كان ذلك بالفعل … فلا نريد المزيد من الأطباء والمهندسين!

ــــــــــــــــــــ

أجريت قبل أربعة سنوات مقابلة تلفزيونية مع الأخ الكريم سلطان العبد المحسن حول موضوع مشابه، أرجو أن تفيدك.

 هدية المقالة:
من كلمات المرحوم مصطفى محمود في كتابه: في الحب والحياة

“إذا كنت تُعدّ مائدتك بنفس الطريقة التي تعلمتها من والديك وتختار ثيابك في الحدود التي ترسمها لك الموضة كل عام .. وتنتقي كلامك من لوائح العادة والعرف والتقليد .. ولا تعرف من قاموس اللغة إلا كلمة نعم ، فأنا أمام هذه الستائر الكثيفة التي تحجبك سوف أجد مشقة في الكشف عن حقيقتك كإنسان ..

إني أراك مجرد اسطوانة .. مجرد مرآة مسطحة تعكس الأشياء دون أن تُضيف إليها شيئًا من مادتها ..

أنت لا تملك جديدًا في داخلك .. لا تملك نفسًا ..

إن المجتمع الصالح ليس مجموعة أصفار ، وإنما هو مجموعة أفراد .. وقدر صغير من الفردية ضروري ليفترق به الانسان عن الدابة .. وليفترق به المجتمع عن القطيع .

إن مليون إنسان يقولون نعم .. دائمًا .. في كل مناسبة .. لا يعول على رأيهم .. لأنهم لا يختلفون عن مليون قالب طوب يجاوبون على الصوت بترديد صداه .. 

ليس من صالح المجتمع إذن أن يذوب فيه أفراده .. فيفقدون فردياتهم و يتحوّلون إلى تشيكلات آلية من النمل .

وإنما يجب أن يحتفظ كل فرد بنطاق من الحرية حوله يتنفس فيه ..”

 

شؤون اجتماعيةمقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)
للأعضاء عام

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول

تريدون قصة؟ سأحكي لكم واحدة. كُنت أدرس في المرحلة الثانوية عام ٢٠٠٤م. اتصلت على أحد الأصدقاء (الذين تخرّجوا)، واتفقت معه أن يمر عليَ صباح اليوم التالي ليقلّني من البيت بسيارته في تمام الساعة السابعة صباحًا، في الفترة التي كان فيها معظم من في سني لا يملكون

قصة الحادث الذي لم يغيّر حياتي - الجزء الأول