تخطى الى المحتوى

لماذا ما نفتقده يملكنا؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

لا يملك عبدالعزيز منزلاً في كاليفورنيا، لكنه يملك أربعة منازل في مُدن مختلفة في العالم، ورث إثنان منها واشترى إثنان. يشعر بالأسى لعدم امتلاكه لهذا المنزل، وقد أصبح يعمل بجد طوال عامه الحالي ليمتلك ذلك المنزل بالقرب من سانتا مونيكا. لا يهمه دخله الذي تجاوز الـ ٣٠،٠٠٠ ريال شهرياً، ولا يريد أن يفكر سوى بطرق جديدة تجعله يستثمر قدر ما يستطيع وبأسرع وقت ليمتلك المنزل.

لا يشعر بالأسى كثيراً من حقق الميدالية البرونزية في الأولومبيات، لأنه يعرف بشكل مطلق أن إسمه قد سُجل في التاريخ كأحد الذين حصلوا على ميدالية في إحدى الدورات العالمية، ولكن لا يزال زميله ومنافسه الذي حصل على الفضية يعيش حالة طاغية من الفشل لأنه يعلم أن الفرق بينه وبين الذهبية كان جزءاً من الثانية.

طُرد Pete Best من فرقة البيتلز مطلع السبعينات، انكب في البداية داخل حزنه الشديد من هذا الإجراء الذي وجده تعسفياً في البداية، بعد أن أقنع أعضاء الفرقة مدير أعمالهم بطرد «بيست». لم يعش بيست حزنه لبقية حياته، فقد تعرف على صديقته كاثي (أصبحت زوجته فيما بعد) ليكمل معها مسيرة طويلة من الحب والوئام حتى يومه الحالي وهو في منتصف السبيعنات من عمره. استوعب بيست أن طرده كان أعظم أمر في حياته -كما يقول-، لأنه وبسبب ذلك الحزن المؤقت استطاع بطريقة ما التعرف على زوجته وبناء حياة جديدة، مريحة نفسياً – على حد قوله – رغم انتهاء أنشطة فرقة البيتلز بسنوات قليلة بعد انفصاله عنهم، ويعقب Mark Manson في كتابه أن بيست بالفعل استطاع التعايش بعيداً عن الأضواء والزخم الذي صاحب فرقة البيتلز وقتها، ليكون ممتناً بأن خروجه كان من أفضل الأمور التي حصلت له في حياته.

 في المقابل Dave Mustaine المغني الذي طُرد من فرقة Metallica عام ١٩٨٣، انكب في حالة هيستيريا من الغضب والحزن، أدمن الكحول والمخدرات لفترات طويلة، حاول الإنتقام من الفرقة عدة مرات بأشكال مختلفة .. كان أكثرها إيجابية (ربما) محاولاته المتواصلة بتحقيق مبيعات أغاني تتجاوز مبيعات ميتاليكا، إلا أنه فشل في هذا الأمر.

يفتقد مُستين ميداليته الذهبية في كل مرة يجد نفسه أقل بدرجات من الفرقة التي طردته، لم يستمتع طوال فترة الثمانينات (والتسعينات) بنجاحاته الخاصة وملايينه التي حققها من حفلاته ومبيعات ألبومه .. كل ما كان يشغل باله تساؤله: «كيف أصبح أكثر ثراءاً ونجاحاً من ميتاليكا؟» .. بل أن الأمر طال ليحاول الإنتحار من فشله في تحقيق مبيعات تفوق مبيعات الفرقة التي طردته.

كان يمكن لمُستين تجاوز الأمر بسهولة، إلا أنه فضل أن يحارب .. وأن ينافس في لعبة محسوم أمرها لصالح ميتاليكا، وكان الأهم من ذلك إمكانيته على الإستمتاع بكل تفاصيل نجاحه الساحق مقارنتةً بغيره من المغنيين الباقيين، أو ربما كان بإمكانه أن يعيش فقط بطمأنينة مثل ما فعل بيست في حياته. إلا أنه قرر أن يتألم … قرر أن يتألم من الشيء الذي لا يملكه (ولن يملكه ربما) ..

مثل ما يتألم صديقنا عبدالعزيز في بداية المقالة.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع