لماذا نشعر بالإساءة عندما يلغي أحد صداقته معنا في التواصل الاجتماعي؟
الإجابة القصيرة: لأن معادلة الصداقة اختلفت أصلاً مقارنةً مع الصداقات العميقة على أرض الواقع.
كما عقّب سيمون سينك في لقائه الشهير عن جيل الشباب (مواليد 1994 وبعد)؛ بأن الإنسان أصبح يشتكي همومه ويشارك بها الآخرين على قنوات التواصل الاجتماعي عوضاً عن مشاركتها مع الأصدقاء الحقيقيين؛ لأن الواحد فيهم يعلم جيداً أن صداقته أصبحت سطحية، لا يمكن من خلالها أن يعتمد الشاب على أصدقائه بمشاركتهم همومه؛ لأن المصلحة هي العملة، وليس الصداقة لمجرد الصداقة.
نستاء كثيراً عندما نعلم أن شخصاً ما قام بإلغاء متابعته لنا أو بإلغاء صداقته معنا في إحدى قنوات التواصل الاجتماعي؛ لأن هذا الأمر أصبح يشكل -لا شعورياً- إلغاء صداقة على أرض الواقع، ويفسر هذا الأمر اقتناع الكثيرين بأن الصداقة والوجود المستمر مع الآخرين ومتابعتهم عبر قنوات التواصل الاجتماعي أصبح تعويضاً عن الصداقات الحقيقية العميقة على أرض الواقع.
كتبت تغريدة قبل يومين، واجهت بعض الانتقاد لوقعها السلبي (الذي لم أكن أنوي أن يكون سلبياً في الحقيقة) وهي:
“صورة واحدة وأنت مبتسم تنشرها على التواصل الاجتماعي، تكفي لإقناع الجميع بأنك تعيش حياة سعيدة. الزيف أصبح أسهل من أي وقت!”.
ولم أقصد بكلمة “الزيف” وقعها السلبي على المسامع؛ عوضاً عن كونها وصفاً لحالة تخالف الحقيقة في حياتنا.
أوافق تصديقاً لكلام سايمون سينك بأن قنوات التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة سريعة وسهلة لإفراز مادة “الدوبامين” (هرمون السعادة) في عقولنا عند أي تفاعل مع الآخرين، فإن قام شخص بإعادة مشاركة (بوست) أو (تغريد) على قنوات التواصل، نشعر بنشوة سريعة تعيد لأنفسنا الاعتبار وتزيد حجم الثقة بالنفس، ويقابل هذا الشعور شعور الاستياء عند إلغاء الصداقة الذي تحدثت عنه.
المشكلة الكبرى من قنوات التواصل الاجتماعي في رأيي، أن الإنسان يشعر بالإنجاز تجاه الآخرين مع كل دقيقة إضافية يقضيها على إحدى قنواته؛ بل يصيب الإنسانَ نوع غريب من الإنجاز عندما لا يجد ما يقوله ليشارك وينشر للآخرين “دعاء” أو “ذِكر ديني” أو “قصة حدثت مع أحد السلف الصالح”، يقتنع المشارك بها أنها وسيلة سريعة (وكسولة في نظري) للحصول على الأجر، ولسان حاله يقول: “انتبهوا فأنا ما زلت هنا، وها هي مشاركتي لكم”.
في الحقيقة، عند مراقبة أكثر الشخصيات إنتاجية في العالم، سنجد أنهم (ربما) لا يكترثون كثيراً للتفاعل الذي تلقاه مشاركاتهم على قنوات التواصل؛ بل وأتمنى أن يكونوا كذلك بالفعل داخل قناعاتهم الشخصية؛ لأنهم بطبيعة الحال أُناسٌ مشغولون بخلق قيمة حقيقية من خلال أعمالهم المهمة، فيصعب أن تجد مثلاً أحد الناجحين/الناجحات في عالمنا (الإسلامي) يشارك الآخرين باستمرارٍ، مشاركات لا تضيف لهم قيمة على قنوات التواصل الاجتماعي؛ بل وربما لا أعتقد أنهم مشغولون بمتابعة استيائهم في إلغاء الصداقات والمتابعات من قِبل الجمهور.
سُنة البشر أنهم يبحثون دوماً عن النتائج السريعة. الربح السريع، الرضا السريع (حتى وإن كان مزيفاً) دون تناسي محاولة الحصول على الأجر السريع بطبيعة الحال.
ويعلم القارئ العزيز لهذه المقالة ويعي تماماً، أن العمل الحقيقي والقيمة الحقيقية للبشر لا تتشكل بحجم الصداقات على قنوات التواصل الاجتماعي، ومشاركة الآخرين مشاركات كسولة؛ بل بالعمل الحقيقي والمُتعب (كالكتابة والبحث، وخلق مشروع يصل أثره على حياة الآخرين).
إلا أن جزءاً منه داخلياً لا يُمانع المزيد من المتابعين والأصدقاء، وهذا ما يشكل تضارباً أعانيه شخصياً، يولّد نوعاً من علاقة الحب والكره تجاه قنوات التواصل الاجتماعي، فلا هي التي تُضيف تلك القيمة الحقيقية لحياتنا اليومية، ولا هي تلك الوسيلة التافهة التي لا معنى لها.
وفي المقابل، تجد حتى المجتمع الغربي ورواد تطوير الذات ينقسمون بين مؤيدين ومعارضين لوجودنا المستمر على قنوات التواصل الاجتماعي، وربما يدّعي الكثيرون منهم ومن عندنا أن مشكلتنا كلها تتركز في الإدمان، الإدمان غير الواعي للمزيد من الصداقات والمزيد من الثناء من قِبل الآخرين على التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى الخوف من افتقاد مشاركات الآخرين وهي ما تُسمى علمياً مصطلح: “الخوف من أن يفوتني شيء” Fear of missing out.
جيل “ما قبل مواليد ١٩٩٤” ربما يعون أن الحياة ليست مجرد قنوات تواصل اجتماعي يمكن من خلالها وضع فلاتر على صورنا التي لا تعكس الحقيقة، لكن أيضاً ما زال الكثير منهم يعيش إما حرباً نفسية تجاه التواصل الاجتماعي، وإما إدماناً غير محسوس يعانيه أغلبية من هم من مواليد ١٩٩٤ وبعدها، (حسب تقديري).
ولكن السؤال الأهم هُنا: هل يستحق هذا الأمر وقفة جدية للتساؤل؛ إن كان بالفعل أحدنا يشعر باستياء حقيقي من إلغاء شخص صداقته على قنوات التواصل؟ وهل يمكن الاعتماد على هذا الأمر كمؤشر خطر في علاقاتنا الإنسانية؟
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.