تخطى الى المحتوى

لماذا يبحث الأغلبية عن الكسب السريع؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

الذي خسر في الأسهم هو نفسه الذي يرسل كل يوم رسائل دينية في جروبات الواتساب (بحثاً عن الأجر دون عمل حقيقي) وهو الذي يغلق خلف سيارات الآخرين (لأنه سيكسب المزيد من الوقت دون أن يقف في مكان أبعد قليلاً). هو الذي يبحث عن الكسب السريع بأكسل الطرق!

محاولات الكسب السريعة بأقل جهد؛ عقلية تقليدية نعيش عليها، ولذلك لا نجد أن معظمنا – وخصوصاً الشباب – يستمرون لفترات طويلة في أعمالهم التي قد تتطلب المزيد من الجهد والمثابرة والعمل المستمر حتى يصلون لأفضل ما يمكن الوصول إليه من نتائج.

يشرح الكاتب «كال نيوپورت» في كتابه «العمل العميق» أننا أصبحنا في زمن يتطلب فيه الاقتصاد المتسارع نوعية محددة من الأعمال؛ وهي الأعمال العميقة التي يُصرف عليها المزيد من التفكير والجهد خلال اليوم لكي نصل إلى نتائج استثنائية بعد فترة طويلة، تماماً كما انشغل آينشتاين في أبحاثه قبل أن يخرج بالنظرية النسبية وستيڤ جوبز بخروجه بمنتجات آبل وغيرهم من الكُتاب الذين صرفوا أعمارهم لينتجوا روايات أو كتب أثرت في تاريخ البشرية، لتخلد أسمائهم معها.

يمكن لمستثمر الأسهم أن ينجح نجاحاً استثنائي، فقط إن صرف المزيد من الوقت والجهد في البحث عن الفرص ودراستها بتمعن ليقرر أين يستثمر وكيف. نضرب مثالاً على ذلك رجل الأعمال المعروف «وورن بافيت» مستثمر «القيمة» الشهير الذي يقرأ يومياً أكثر من ٥٠٠ صفحة من التقارير المالية وعن خبايا الشركات بعمق لا يستطيع أن يفعله معظمنا، ومثله أيضاً المرحوم عبدالرحمن السميط الذي قضى معظم حياته في قارة أفريقيا باحثاً عن الأجر من خلال «العمل العميق» يخدم فيه الفقراء ويدعو للإسلام بعمله وجهده بعيداً عن إرساله رسائل يومية لأصدقائه على الواتساب.

شاهدي أن الكسل هو العدو الوحيد للعمل العميق.. العمل الحقيقي.

فأي شخص عاطل يستطيع أن يرسل ١٠٠٠ رسالة جوال دينية نصائحية للاخرين، يستشعر من خلالها وهم «الإنجاز» بكسبه الأجر من خلال تلك الرسائل التي لا يعتقد أبداً أنه أزعج بنسخها ولصقها المستقبلين لها.

ومع اقتراب شهر رمضان تجد العديد من الشباب الذين يوزعون وجبات الإفطار على شارع التحلية وحي الخالدية أو الشاطئ ليكسبوا أجر إفطار الصائم بتفطيرهم لأشخاص ربما يكونون أغنى منهم، يقفون على الإشارات لا يحتاجون لمثل هذه الوجبات فعلياً ليقودهم الأمر ربما للاستغناء عنها، ببساطة لأنهم سيفطرون في منازلهم. يحصل هذا الأمر لأن بعض هؤلاء الشباب فضلوا عدم صرف المزيد من الجهد والبحث عن فقراء حقيقيين يحتاجون لهذه الوجبات في مناطق بعيدة عن مناطق راحتهم، والمحرك الحقيقي لهم هو: محاولة «الكسب السريع».

أنا لا أختلف مع مبدأ إرسال الرسائل أو إفطار الصائم، بل أنني أحاول دوماً أن أرسل للآخرين على الواتساب رسائل كنت قد كتبتها وبحثت فيها بنفسي، لأقول لهم: تفضلوا هذا جهد حقيقي ربما يُفيدكم.

شاهدي اليوم هو محاولة لفت النظر للبحث عن المزيد من الأعمال الحقيقية التي يجب علينا تنفيذها والتي – ربما – قد تُضيف قيمة حقيقية لشخص آخر أو لأنفسنا. وأن نبتعد خطوة عن النسخ واللصق أو الأعمال التي توهمنا بالإنجاز والكسب المزيف.

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)