تخطى الى المحتوى

لماذا يجب أن تكون عميلاً لطيف؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

كنت السبت الماضي في قهوة ميراكي برفقة بعض الأصدقاء، وقام أخي العزيز محمد شطا بحرص على تعريفي على أحد الإخوة الأفاضل والذي خطرت في باله فكرة لمشروع كتابة كتاب يهدف إلى تعليم الآخرين مفهوم لطيف وهو «كيف تصبح عميلاً مميز؟» بدلاً من الاكتفاء بالكتب الموجودة في السوق والتي تحث على تقديم أفضل خدمة للعملاء.

شدتني فكرة المشروع، لأسترجع بعدها أحد المواقف – الاستثنائية في مجتمعنا –  في هذا الأمر، والذي أدّعي من خلاله أنني كنت لحظتها في محاولة جديةً لتطبيق مفهوم العميل المميز.

حدثت معي القصة في إحدى رحلاتي لمدينة دبي على «طيران ناس»، كانت الطائرة مزدحمة على آخرها (لا أذكر وقتها إن كان طيران ناس كانوا قد استحدثوا مقاعد درجة الأعمال أم لا)، وما حدث باختصار، أنني جلست على مقعدي المكتوب في بطاقة صعود الطائرة، لأكتشف أن هذا المقعد كان بجانب إحدى الآنسات المحافظات، والتي باشرت بطبيعة الحال مع زوجها أو أخيها إلى محاولة إعادة ترتيب المقاعد مع المضيفة لكي لا تجلس إلى جانب رجل غريب. لم تكن هناك تقريباً مقاعد شاغرة تعطي المساحة لإعادة الترتيب، اضطررت أن أقف منتظراً في آخر الطائرة مشرف المِلاحة أو أحد المسؤولين ليعالج هذا المُعضلة، وبالفعل … أتى أحدهم مسرعاً باتجاهي من مقدمة الطائرة وهو يطلب مني الجلوس استعداداً للإقلاع، ومن حسن الحظ أنه استوعب هذا الموقف (كثير التِكرار) من نظراتي. وعندما وصل إلي قدم اعتذاراً خفيف عن هذه الفوضى، لأخبره بردي المباشر نصياً: «مافي مشكلة، أنا لوحدي في هذه الرحلة حبيت تحطني آخر الطيارة، أو عند المطبخ أو في أي مكان تفضله، صدقني مارح أمانع، عندي أصدقاء كثيرين ملاحين، وأستوعب تماماً هذه المواقف اللي تمر عليكم، عموماً أعتبرني اليوم في خدمتك … أعانك الله».

شكرني، وذهب لمعالجة الفوضى، وأكملت الوقوف في مؤخرة الطائرة.

أود أن أُشير أنه وبالفعل لدي العديد من الأصدقاء الملاحين، ولا تكاد تخلو جلسة من جلساتنا عن حكايات السفر وتحديات مهام الملاحين … وبالطبع بعض المشاكل الاجتماعي المصاحبة لهذه الوظيفة، مثل موقف الآنسة الكريمة.

على كل حال، جلس الجميع وقتها، لأفاجئ بأن الأخ المضيف قد رتب لي مقعداً استثنائي مريح في أول الطائرة، وليس بجانبي أحد!

عندما حكيت هذه القصة لأصدقائي الملاحين، أخبروني أن رقم المقعد المكتوب على بطاقة الطائرة حق شرعي لي، بل أنه ومن أبسط الحقوق التي أملكها؛ هي الإصرار على الجلوس فيه دون حِراك، ولن يقول لي أحد ثلث الثلاثة كم كما نقول في اللهجة العامية. بل أن هذه الردة من الفِعل هي المتوقعة عند أي محاولات لتغيير المقاعد.

وما فعلته وقتها كان ربما يُعد لطفاً استثنائي، بل أنني بررت لأصدقائي أنني استوعبت لحظتها أن من بين هؤلاء الملاحين قد يكون أحدهم، ولا أرغب صراحةً أن أعكر صفو الرحلة قبل إقلاعها عليه أو على نفسي! … ليرد علي صديقي الملاح أحمد هوساوي، إن حصل وفاجئني أحد المسافرين بنفس تصرفك لحظتها فسأحرص على إعطائه خدمة استثنائية.

وهذا ما حصل لي!

على كل حال، كانت تجربة استثنائية ولا يمكن بطبيعة الحال ضمان نتائجها في كل مرة، لكن استيعابي لمهمة الملاحين كانت المحفز الأول وقتها. أما الآن، فجلسة الأخ العزيز يوم القهوة، عززت في داخلي مفهوم أن الإنسان يجب أن يحاول أن يكون عميلاً لطيف، من ناحية إنسانية أولاً … وربما من خلال هذا الأمر قد يحصل على استثناءات.

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)