لماذا يجب اعتبار عادة القراءة واجب أخلاقي؟
عندما كان جورج راڤلينج مدرب كرة السلة المعروف صغيرًا في السن؛ سألته جدّته سؤالًا يعتقد أنه غير حياته للأبد: «لماذا كان قديمًا أصحاب المنزل يخبؤون أموالهم بين صفحات الكُتب؟».
بعدما ابدى عدم معرفته، أخبرته «لأنهم يعرفون بأن العبيد الذين يعملون في المنزل لن يفتحوها».
هذه القصة – وإن افترضنا رمزيتها – والتي قادت المدرب وهو في أواسط الثمانين من عمره ليصبح شديد التعلق بالكُتب ومشاركة قراءاته المستمرة على موقعه مع جمهوره، إلا أن لها جانبًا مظلم آخر. فلم يكن تعليم العبيد القراءة والكتابة في الولايات المتحدة مرفوضًا اجتماعيًا فحسب، بل كان غير قانوني في الفترة ما قبل ١٨٣٠م.
«هناك سبب وجيه لهذا الأمر» كما يعتقد رايان هوليدي «وهناك سبب وجيه يجعل كل المحتلين يحرصون على حرق الكُتب عندما يدخلون أي مدينة».
فإلى جانب ما اعتدنا سماعه عن قيمة وفائدة القراءة كعادة يفترض بها منافسة عادة اضطرارية قديمة وغير مستحب كالمذاكرة، إلا أنها لا تزال إحدى العادات التي تُعطي «أفضل قيمة مقابل السعر / الوقت». تتشابه مع الرياضة، والجلوس ساعات مع قدوتنا. ومهما ارتفع سعر الكُتب، تظل رخيصة إن قارّنا سعة مردودها الثقافي مقابل المال المدفوع من قِبل الأفراد والحكومات على التعليم الأكاديمي.
تظل الكُتب تمثّل الوسط الذي يُخزّن فيه كل تفاصيل العلوم والمعرفة من جيل لجيل ومن مثقف لمثقف ومن أكاديمي لأكاديمي ومن طُلاب لمدرسين، وهي الوسط الذي خُزن فيه كل تفاصيل التاريخ التي نعرفها في يومنا هذا.
إلا أن شيء كبير يعيب الكُتب وعادة القراءة بشكل عام: الوقت.
يفتح الطالب الكتاب أو البحث، ليس حبًا بقدر ما هي «مهمة عمل» يجب أن تُنجز.
وعندما نرغب نحن البالغين العاقلين بجعل عادة القراءة جزءً من حياتنا، فإننا لا نستطيع ذلك، لأنها غير مربوطة بمهمة عمل رسمية، ولأنها تحتاج إلى الكثير من الوقت، وتحتاج لبعض التضحيات الكبيرة في حياتنا اليومية: مثل تطنيش التلفزيون أو الجوال، ومحاولة الحصول على بعض التركيز.
لا يستطيع أن يأخذ بنا المتحدثين والرفقاء يمينًا وشمالًا في موضوع صرفنا ساعات طوال بالقراءة عنه. نتحول تدريجيًا إلى شخصيات قوية، ولبقة، ومؤدبة، ومتحدثة، وبائعة إن كنّا قراء.
نتحول إلى نُسخة أقوى من أنفسنا معها.
بل ليس من العدل أن أعترض على فكرة أو نقاشًا بعنف وارتجال إن لم أُكلّف نفسي عناء القراءة عنه.
وليس من العدل أن نكرر أخطاءنا في تربية من نحب بسبب عدم رغبتنا لقراءة مقالة أو كتاب يعلمنا كيف نتعامل مع مشاكلهم.
ليس من العدل أن نخسر كل مرة أموالنا ولا نعرف كيف ندّخر، وهناك آلاف الكُتب والمقالات التي نجح مؤلفيها بشرحهم كيف صنعوا ما صنعوه في ثرواتهم.
تصبح القراءة واجب أخلاقي عندما نعي تمامًا بأننا مستأمنون على عقولنا وأحباءنا ومستقبلنا. وعندما نعرف كيف نخلق سبيلًا لجعلها وسيلة ترفيه أكثر من كونها مهمة عمل.
«لا أحب القراءة» أو «لا أجد نفسي فيها» أو «لا أستطيع التركيز» يستطيع أن يكتفي بقولها أي إنسان. أستطيع أيضًا أن أكتفي بقول «لا أستطيع أن أُنقِص وزني» أو «لا أستطيع أن أقلع عن التدخين» أو «لا أستطيع أن أستيقظ مبكرًا».
كلنا نستطيع أن نكتفي بقول ما نريد. لأنا الكلام دومًا أسهل من الفعل، والاستسلام عمومًا أسهل من المثابرة. والاكتفاء بالقول أسهل من المحاولة.
يحكي المستثمر المعروف وورن بافيت في أكثر من موضع بأن أحد أهم العادات التي صنعت منه رجل في قمة نجاحه قدرته على أن يُصبح «آلة تعلم» بصرفه من خمس لست ساعات في القراءة يوميًا.
مثله أيضًا المستثمر ورائد الأعمال المعروف مارك كيوبن الذي يقضي يوميًا ثلاث ساعات في القراءة. وإيلون مسك، وبيل جيتس.
بل وحتى الملك، لم يُعرف عنه حرصه على إعطاء نصيحة للشباب بقدر حرصه على تشجيعهم بأن يقرأوا «القراءة.. القراءة.. القراءة.. إن قرأ الإنسان ثم قرأ سيتعود عليها، وسيتعلم عن شتّى البحوث والمجالات، ولذلك أنصح أبناءنا بأن يكرموا القراءة ويعمّقوها، حتى تتسع أفكارهم..»
ويضيف.. «الإنسان قد يقرأ كتاب في أيام، لكن الذي كتبه قد قضى وقت طويلًا في كتابته وتجميعه لكي نستفيد منه».
تصبح القراءة واجبًا أخلاقي إن استوعبنا أن عدم القراءة خيار، تمامًا مثل خيار أن ننزل إلى المكتبة ونشتري الكُتب لكي نمسك بها ونقرأها، فغير القارئ وغير المطلع يقترب كل يوم من الذي لا يملك قدرة على القراءة.
[أُفكر بأن أقوم بعمل ڤيديو (لايف) لأول مرة، عن هذا الموضوع ولتغطية جوانبه الأخرى، سأبلغكم].
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.