تخطى الى المحتوى

زيارة أخرى للكتابة الساخرة

لا تعتبر الكتابة الساخرة بالضرورة كتابة هزلية أو كوميدية كما يعتقد البعض

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة
زيارة أخرى للكتابة الساخرة

كُنت البارحة في معية مجموعة نادي القراءة «الجليس» في مدينة جدة، لمناقشة كتابي السادس «كله خير: كتاب ساخر لحياة أسهل»، ومثل الكثير من اللقاءات، تظهر كثيراً من الأفكار في أثناء الحديث، التي كانت تختفي بين جنبات العقل عندما يفكِّر، أو قبل أن تتحول أفكاره إلى نصوص مكتوبة، كما هو الحالي مع محاولاتي الكتابية. وقد خرجت ببعض التأملات الجديدة عن الكتابة الساخرة.

  • تتسم الكتابة الساخرة بهطول عجيب من العقل إلى الورق، عكس الكثير من الألوان الأدبية الأخرى. شخصيًا لا أعرف سبب هذا الأمر بالتحديد، إلا أن الكاتب (الساخر) في رأيي يجب أن يكتب بشكلٍ غير اعتيادي، وهو الكتابة بقلبٍ مفتوح، يتناول نفسه وقصصه كموضوع رئيسي، بل وحتى أحزانه بشيء من السخرية، وهذا الشكل من الكتابة يجعل الكاتب يتسلّح بالشجاعة والمباغتة خلال ترصيص الكلمات، ولا يقوم بحساب الجملة مرة أو مرتين في التحرير.
  • سمة أخرى في الكتابة مع استحضار الحس الساخر، وهي تخفيف وطأة وتأثير الأحداث والقصص. فمهما كان الموضوع الذي يود أن يكتب عنه الكاتب حساسًا، يُصبح وزنه أخف على القلب، وعلى عين القراءة عندما يدونه كما هو بشكلٍ ساخر دون حِسابات.
  • هذه الخفة هي ما جعلت ربما الكثير من الكُتاب الساخرين شديدي الغزارة في إنتاجهم الأدبي، مثل الكاتب القدير عمر طاهر، وبلال فضل، وقبلهم الكاتب الظريف المرحوم محمود السعدني، فأي موضوع، وأي شيء قابل للكتابة عنه؛ دون حسابات أو شيلة هم أمام القارئ.
  • عندما يكتب الكاتب الساخر عن أي موضوع حساس، فإن كتاباته تعد تذكرة عبور من حساسية الموضوع، فإن كتب الكاتب عن خسارة فاجعة، أو فصل عملي تعسفي كان ضده بسخرية، فإنه يخبر نفسه والآخرين، آنه قد تجاوز الموضوع، وقد ينطبق هذا الأمر أيضًا على أمور أشد وطأة، مثل تجارب الحب الفاشلة، أو خسارات أصدقاء مفزعة. السخرية تعني تجاوزنا لأي موضوع؛ قولًا واحدًا.
  • تلامس الكتابة الساخرة مختلف القلوب، وهي لون قرائي يناسب المثقفين، والمراهقين، والجديدين على عالم القراءة، وهي قد تكون تسجيلًا رسميًا لهم ضمن نادي القرّاء العالميين الجُدد.
  • لا تعتبر الكتابة الساخرة بالضرورة كتابة هزلية أو كوميدية كما يعتقد البعض، ولا يتطلّب من الكتابة الساخرة أن تكون كتابة مضحكة تجعل كل من يقرأها يتوقف من فرط دموع القهقهة. هي ربما قد تكون شكلًا من أشكال التعبير غير الصارم. وقد يتم استثمارها لرصد أحداث تاريخية حقيقية، أو شخصية للكاتب، ولكن بعدسة فكاهية.
  • تنعكس الكتابة الساخرة على حياة الكاتب الملتزم بها، فيصبح مع الوقت مهيأةً لتناول أي موضوع بحسٍ مختلف، خصوصًا المواضيع الحساسة كما قلنا. وبالطبع تتحول كل الحياة إلى مسرح للمحتويات التي من الممكن أن تتحول من أحداث إلى كلمات مكتوبة، وهذا الأمر لعمري شيءٌ مبارك في حياة الكاتب الساخر. فكل وجبة، وخرجة، وسفرة، ومناسبة، واجتماع عمل معرّضين لأن يكونوا مادة ساخرة طازجة لمن أراد أن يراها بهذا الجانب.
  • بالتأكيد الكتابة الساخرة لا يجب أن تكون الكل في الكل، هي شيء ولون من ألوان مختلفة، تستحق الكثير من الانتباه، وليس كله. وهي بالتأكيد وجبة فاتحة للشهية، رغم افتقارها لأهم المواد الفكرية المغذية.
  • وعدت نفسي أن أكتب كتابًا ساخرًا عام ٢٠٢٣م، ومن حسن الحظ أن هذا الوعد (والولع) كانوا قد تُرجِموا بخروج كتاب كله خير في نفس العام، والذي أتمنى أن يحصل على فرصته من القارئ الجاد والمثقف العتيق.
كُتب واختيارات للقراءةعن الكتابة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن التخطيط وما بين اليدين

الفضول والإخلاص لما بين اليدين هي الخطة الأرهب في رأيي حتى اليوم

عن التخطيط وما بين اليدين
للأعضاء عام

عشر مقالات مُختارة من عام ٢٠٢٤م

هل كانت سنة الكتابة الخطِرة؟

للأعضاء عام

هل الكتابة وحياتنا يقودها الحب أم الانضباط؟ (ملفّات القراء ١٥)

الْحُبّ هو مرحلة ما بعد الرومنسية!

هل الكتابة وحياتنا يقودها الحب أم الانضباط؟ (ملفّات القراء ١٥)