تخطى الى المحتوى

لماذا يُحب الناس الأبيض والأسود فقط؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

«لدى البشر غريزة درامية قوية تجاه التفكير الثنائي، دافع أساسي لتقسيم الأشياء إلى مجموعتين مختلفتين، مع وجود فجوة فارغة بينهما. نحن نحب التقسيم. جيد مقابل سيء. الأبطال مقابل الأشرار. بلدي مقابل البقية. إن تقسيم العالم إلى جانبين متميزين أمر بسيط وبديهي، وأيضًا درامي لأنه يتضمن صراعًا، ونحن نفعل ذلك دون تفكير طوال الوقت». يعلّق العالِم الراحل هانس روزلين، والذي يُصف نفسه إنسانًا واقعيًا بشكل مبالغ، أكثر من كونه إنسانًا متفائل كما عُرف عنه في كتابه (Factfulness).

«فكر في العالم. حرب، عنف، كوارث طبيعية، كوارث من صنع الإنسان، فساد. الأشياء سيئة، ويبدو أنها تزداد سوءًا، أليس كذلك؟ الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرًا؛ وعدد الفقراء آخذ في الازدياد؛ وسوف تنفد الموارد قريبًا ما لم نفعل شيئًا جذريًا. على الأقل هذه هي الصورة التي يراها معظم الغربيين في وسائل الإعلام ويحملونها في رؤوسهم. أسميها النظرة الدرامية للعالم. إنها مرهقة ومضللة.

في الواقع، تعيش الغالبية العظمى من سكان العالم في مكان ما في منتصف مقياس الدخل. ربما ليسوا كما نعتقد أنهم طبقة وسطى، لكنهم لا يعيشون في فقر مدقع. تذهب فتياتهم إلى المدرسة، ويتم تلقيح أطفالهم، ويعيشون في أسر مكونة من طفلين، ويريدون السفر إلى الخارج لقضاء عطلة، وليس كلاجئين. إن العالم آخذ في التحسن خطوة بخطوة، عاما بعد عام. ليس على كل مقياس واحد كل عام، ولكن كقاعدة عامة. على الرغم من أن العالم يواجه تحديات ضخمة، لقد أحرزنا تقدمًا هائلاً. هذه هي النظرة القائمة على الحقائق».

من غير المجدي أحيانًا أن نُفكِر إن كان الحال بالغ السوء أو بالغ التحسُن. ذلك يحدُث لأن أغلب الناس يفضلون أن يشاهدوا العالم بأعُين سوداء أو بيضاء تامة، فهي أسهل على الفِهم، يستمتع الإنسان بهذه النظرات بإحساس نشوة الفِهم حتى وإن كانت سطيحة، لا يريد أحد أن يشعر بالغباء! ولذلك نعتقد أن الوقوف مع فريق ضد آخر أو موقف ضد نقيضه يضمن لنا مكانًا مع مجموعة، مجموعة تُعطينا درعًا ضد عدم الفِهم أو إحساس الغباء.

المثير للمتابع أن كل العالم بكل تفاصيله الجغرافية والاجتماعية والسياسية والدينية، يقع في مكانٍ ما في الفجوة الفارغة (التي ذُكِرت بداية المقالة). لا شيء أسود ولا شيء أبيض. حتى علاقاتنا وحياتنا، فيها الكثير من عدم السواد والأبيض الملائكي.

حبنا للدراما يجعلنا نقف على تلك الألوان ونهُمل ما تبقى.

سيكلوجيا الإنسانكُتب واختيارات للقراءة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)

مقدّمة: إن كُنت أحد سكّان مدينة جدة، أدعوك لحضور أمسية ثقافية يوم الاثنين (٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤م) بعنوان «الشعور بالانتماء ضرورة أم رفاهية؟». رابط التسجيل هنا. تنورونا. ننتقل إلى ملفّات القراء.. السلام عليكم، أشكرك أخي أحمد على إتاحة الفرصة لي، سؤالي كم ساعة تقرأ باليوم، وهل تقرأ كتاب

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)
للأعضاء عام

اقتراحات سبتمبر ٢٠٢٤م: كتب ومطاعم وبودكاست

الكتابة (من ناحية تسويقية) لا يجب أن تميل مع ميل صاحبها للموضوعات التي يُحبها. كان هذه ثمرة عدة نقاشات متفرّقة مع أصدقاء عزيزين هذا الشهر. طبعًا أختلف! سوف يكون التطبيق العملي لهذا الاختلاف عدم كتابة مثل هذه المقالة التي تحمل اقتراحات خاصة مختلفة ومتنوعة. على كل حال

اقتراحات سبتمبر ٢٠٢٤م: كتب ومطاعم وبودكاست
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟