تخطى الى المحتوى

ماذا بعد العودة؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

يحكي لي زميلي البارحة عن زوجته التي بكت عندما قرروا العودة من رحلة إجازة الصيف في «بالي» بعد أن قضوا قرابة الشهر فيها. «كيف نترُك الخضرة والبحر وكل هذا الجمال.. هكذا؟» تعلّق مبررة حزنها.

لا يسع الإنسان إلا للعودة إلى حياته الطبيعية مهما طال غيابه، الطِباع والعادات المكتسبة والحياة التي نتوقع انسجامنا السريع بعدها لا تتطور بالقدر الكبير الذي نتوقعه منها، القليل فينا يتغيّر مع مرور الوقت، وتظل أساسات على ما اعتدنا عليه يومًا بيوم هي المسيطرة على نمط الحياة.

تعود المخاوف والهموم والطموحات والأحلام عندما نعود لأماكننا؛ وفي حالة زميلي والكثيرين، يستبدل الكسب والبحث عن الرزق الوقت الأكبر في عمرنا، ليتبقى القليل لنستمتع بالتغيير المؤقت فيه.

يتهكّم النفساني جوردن بيترسون على الصورة النمطية لحلم الإنسان الغربي بقضاء ما تبقى من العمر بعد التقاعد على شاطئ البحر وهو يشرب العصير المنعش، بسؤاله: «جلست على البحر، وشربت العصير، ماذا بعد ذلك؟»، ثم يسترسل بعدها عن ضرورة امتلاك الإنسان لمعنًا أكبر في حياته بدلًا من التفكير في النهايات السعيدة أو فترة ما بعد التقاعد. فالمعنى هو ما يُعطي قيمة لحياة الإنسان وشغفًا أكبر من اللذة التي تنضب سريعًا بطبيعة الحال، وإلمام النفساني الشهير «فيكتور فرانكل» بهذا الأمر هو ما جعله يفهم النفس البشرية التي كما يقول: «تُلهي نفسها بالملذات، عندما لا تجد معنى لحياتها».

أذكر عام ٢٠١١م عندما قمنا بزيارة مدينة «آنسي» جنوب فرنسا، كُنت بالفعل منبهرًا بالطبيعة والجبال والبحيرة وصِغر المدينة الساحر. وبعد أربعة أيام سألت نفس السؤال: وماذا بعد؟ وسرعان ما قررنا استكمال الرحلة إلى مدينة كبيرة بعد أن قضينا اليوم الأخير في الفندق دون أنشطة.

يتشكّل المعنى في نظري بأمرين أساسيين بعد إيمان الإنسان المُطلق بدينه ووحدانية خالقه وهم: العائلة والدائرة الصغيرة، والعمل أيًا كان، فلا يوجد عمل لا يفيد إنسانًا آخر بالضرورة. يبقى الحفاظ على استمرار الدائرة المحيطة هو الهدف الأسمى لمعنى الحياة، في حين أن التطور، والكسب، وتغيير حياة الآخرين هو الهدف الأسمى من العمل.

لا بأس بالانقطاع المؤقت دومًا.. فدونه لا يكون هناك جهدٌ مسخر لأي معنى.

عودًا حميدًا للجميع.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع