تخطى الى المحتوى

محاكاة القدوة أسهل من اختراع الطريق

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
3 دقائق قراءة

(١)

قرأت من مقالة مورجان هوسل «تفاؤل مضاعف» (Compounding Optimism) النص التالي:

كان ستيف في العشرينات من عمره عندما ذهب للقاء مؤسس شركة «Polaroid» إدوين لاند. وقال: ستيف، «كانت زيارة إدوين لاند أشبه بزيارة ضريح … إنه بطلي».

أخذ جيف بيزوس الكثير من الأفكار من سام والتون. كما أخذ كل من ستيف وجيف الكثير من الأفكار من شركة سوني.

    تجد دائمًا هؤلاء الأشخاص في المكان الذي تريده، «أوه، لقد اعتقدت أن هذه كانت فكرة لستيف جوبز.» لا.. لا.. إنها فكرة من مؤسس شركة سوني «أكيو موريتا»، أو فكرة «إدوين لاند».

    شاهد العروض التقديمية التي قدمها ستيف جوبز حيث قال: «نحن نبني عند تقاطع التكنولوجيا والفنون الليبرالية.»

في الحقيقة قال إدوين لاند تلك الكلمات بالضبط!

    لن تجد أبدًا أي شخص يصل إلى قمة المهنة دون دراسة الأشخاص الذين سبقوه والتعلم منهم والإعجاب بهم.

الجملة الأخيرة ربما تُفسِّر الكثير مما أود قوله.

(٢)

في إحدى اللقاءات العامة، قررت أن أختار موضوع المحاضرة عن «سحر المعدّل التراكمي» في حياتنا، وعن تأثيره البالغ في عدة جوانب، منها طبعًا الكتابة، وبناء العادات، والاستثمار، وتنمية المعرفة عند الفرد. تفاجأت من أعيُن الحضور بأنني لم أُحسِن إيصال رسالتي، وبعد عشرين دقيقة لاحظت أن معظمهم فقد اهتمامه بالجلسة تمامًا، ولذا غيرت اتجاه الجلسة إلى فقرة الأسئلة والأجوبة والمناقشة المفتوحة، وبالطبع أصبح ما تبقّى منها مسليًا ومثيرًا.

تعّلمت قبلها: أن الإنسان يُفتن بالنتائج، أكثر من الإعجاب بالطريق المؤدي لها بكثير.

ولذا، دائمًا ما أذكِّر نفسي بأن السلوك أهم من الأفكار..

الكتابة المنتظمة أهم من اختيار المواضيع.

الاستثمار الممل المنتظم.. أفضل من الدخول في مشاريع مغرية.

رياضة المنزل المستمرة.. أفضل من الاشتراك في نادٍ فخم.

عندما ننظر إلى ثروة أحد رجال الأعمال أو المستثمرين المخضرمين، نُصاب بنوعٍ من الإعجاب من النتيجة التي وصل إليها، نفس الرجل إن أخبر شبابًا صغارًا في السن بأن السبيل إلى الوصول لنفس الثروة مثلًا هو: العمل الدؤوب، والاستثمار البطيء، وتقليل الصرف، والقراءات المملة، وبناء الفريق، وأخذ المخاطرة؛ وغيرها من الأمور التي يجب علينا تجربتها لفترات طويلة جدًا، فعلى الأغلب سيكون هناك واحدًا من كل عشرة شباب مستعدين – على أرض الواقع – تجربة كل هذه الأمور، وبالطبع، لا ضمان للنتائج.

لماذا كل ذلك؟

لأن الإعجاب بالنتائج بديهي، بينما التركيز على الأعمال التراكمية البطيئة غير بديهي في نتائجه!

هنا اللغز.

في حِرفة الكتابة مثلًا، كل ما يتطلبه الأمر انتظام في القراءة والكتابة ومحاولات بطيئة لتطوير الحِرفة، حتى يصل الكاتب إلى نتيجة مرضية في المستقبل. هذا الموضوع على بساطته، هو نفس الموضوع الذي جعل معظم الحضور في الجلسة يشعرون بالملل؛ وقد يكون لسان الحال: «هل تقصد أن عليَ أن أقضي سنينًا طويلة في ممارسة القراءة والكتابة (وعلى الأغلب لن أنجح)؟»

ربما تكون الإجابة الأكثر واقعية هي: نعم.

ماذا عن فكرتي في كتابة كتاب؟

تستحق المحاولة، ولكن أغلب الظن بأن الكتاب لن ينجح، هذه الواقعية قد تكون صادمة، إلا أنها تظل واقعًا، وليست تعاطفًا.

(٣)

أفضل طريقة لتقصير وقت المعدّل التراكمي وزيادة فاعليته في رأيي هو: المحاكاة.

تريد أن تُصبح رياضيًا ناجحًا: حاول أن تُقلِّد ما يفعله بطلك في هذا الأمر.

تريد أن تصل إلى نتائج استثنائية في رسوماتك: حاول أن تحاكي فنّانك المفضل. لفترات طويلة، مع محاولات جانبية للتطوير.

نفس الأمر ينطبق على الأفكار، والأعمال وكل الممارسات..

أعتقد إننا نُعطي موضوع العصامية (حتى في الأفكار) ثقلًا ليس له داعٍ. فالأفكار بطبيعتها تراكمية، تأتي من أشخاص آخرين في هذا العالم سبقونا إليها، ومهمّتنا أن نجمع تراكمها ثم نطوِّر عليها، بدلًا من التركيز طيلة الوقت على الابتكار.

وورن بافيت حاكى طريقتي بين جراهام وفيليب فيشر في «استثمار القيمة». ثم طوّرها فيما بعد مع شريكه تشارلي منجر.

جيف بيزوس حاكى سام والتون (مؤسس وول مارت) وشركة سوني. ثم ركّز أكثر على تقليل تكاليف الشحن.

توماس أديسون حاكى أفكار وطريقة عمل الفيزيائي مايكل فارادي الذي توفي عام ١٨٦٧م.

في تجربتي الشخصية، لم أعرف كيف كُنت سأبدأ إن لم يكن هناك كُتّاب مفتون بأسلوبهم، ومعجب بكتاباتهم، وآخرين.. كُنت مفتونًا بغزارة انتاجهم.

الخلاصة:

ربط التراكم؛ أو العمل ببطء وانتظام. ومحاكاة المبدعين الآخرين (أو حتى تقليدهم) أفضل عدة مرات من اختراع طريق جديد.

 

عن العمل وريادة الأعمال

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

في تعليق الشهادات على الجِدار

يعترف لي صديقي العزيز قبل أيام، أنه بعد قراءته لكتاب «وهم الإنجاز»، قام بإزالة كل الشهادات التي حصل عليها في حياته المهنية من الجدار خلف مكتبه. ويعتقد مازحًا إنني كُنت سببًا لكسر فرحته بها. صديقي هذا من خيرة الشباب الناجحين (وشديدي التهذيب)، وبعد أن اعترف، أخبرته بصدق

للأعضاء عام

بعض الأفكار لتحدّي النفس

أسهل طريق للتخلّص من شخص مزعج، أو شكّاء، أو سلبي في حياتنا هي مقاطعته. لكنه ليس الطريق الأصح.

بعض الأفكار لتحدّي النفس
للأعضاء عام

بكم تعلن؟

أدردش مع أحد أصدقائي العزيزين قبل يومين، وأخبره أن معظم الناس - من ملاحظتي لهم - يُحبون قوائم الاقتراحات بكل أشكالها: اقتراحات القراءة، والمطاعم، وأماكن الترفيه، وآخر الاكتشافات المنزوية. وكلما كانت الاقتراحات شخصية وبسيطة، كلما كانت استجابة القرّاء لها أعلى. أحد أصدقائي من دولة البحرين، صور زيارته هو

بكم تعلن؟