المشاهير والممثلين ليسوا مفكّرين
تذكير بديهي، لأننا سنظلمهم إن تعاملنا معهم على هذا الأساس
1.توقّفت اليوم عند مقطع قصير من مقابلة مطوّلة مع الممثل الأستاذ حسين فهمي، الذي يُعتبر من مصافي الممثلين العرب ثقافة وفِكرًا بالمقارنة مع ما هو موجود، وكان يتحدّث فيه عن تلقيب أحفاده بـ «أولاد أولاده»، أشارككم إيّاه:
هدأت للحظات محاولًا استيعاب ما قاله، واكتشفت.. أن لا معنى له.
حرفيًا، ما قاله مجرّد هراء؛ مع تقديري الكامل لسنه ومكانته الفنية؛ طبعًا، لا أود أن أقارع الحجة بالحُجة، وأُقف على فكرة أن معزة ومحبة الأحفاد شيء كبير، ولا يوجد أغلى من الولد إلا ولد الولد، وإلخ، من تعابير يعرفها، ويعيشها القارئ الفطن مع أحفاده، أو مع أجداده. لكنني في الوقت نفسه، برّرت له هذا المقطع، ودافعت عن ظهوره وتعبيره (بيني وبين نفسي) بأنه: لا يصح أن أنتظر رأيًا فكريًا، أو وجهة نظر تأملية ثاقبة من شخص لأنه مشهور، أو لأنه ممثل معروف.
وظيفة هذا الإنسان طوال العقود الستة الماضي هي «الترفيه». وأعتقد أن هذا التصدير – تصدير المشاهير على أنهم أصحاب فِكر - ليس مشكلة محصورة في عالمنا العربي، فهي موجودة في كل أصقاع الأرض، اللهم أن مايكروفونات «الإنلفونسرز» زائدة كمعدّل عام في حياتنا الاجتماعية على الإنترنت كما نلاحظ، والفرق طبعًا أن مشاهير التواصل لا يقدمون في حالات كثيرة موادًا رصينة ومؤثرة وترفيهية من العيار الثقيل (كالأفلام أو الأغاني) مثلما يُقدِّم الممثلين والمغنيين.
كل المشكلة تنحصر في توقّع أن المشهور أو الممثل قادر على التأثير على أفكارنا بنفس قدرة تأثيره على مزاجنا. المشهور أو الممثل مهمتهم الترفيه، عملهم هو الترفيه. يجب ألا نُصدِّرهم كمفكّرين. أمرٌ بديهي، يستحق الكتابة عنه.
2.من حسنات وجودي هذه الأيام في جنوب الهند، هي تمكّني من شراء مجموعة لا بأس بها من الكُتب (الأصلية) المطبوعة هنا وتُباع بربع سعرها. ما استوقفني خلال تسوّقي من المكتبة وجود حزمة كبيرة من الكُتب حديثة الإصدار من دور نشر كبيرة مثل Penguin وHachette في فرعهم في الهند، ولفت نظري كتابًا مكوّن من ألف صفحة، وهو عن سيرة ذاتية لشخص لم أتعرّف عليه، ولم يكن يبدو مألوفًا لي على الإطلاق. تصفّحت الكتاب قليلًا، ثم بحثت عن اسمه، واكتشفت أنه «ممثل» هندي، وعلى ما يبدو أنه من نجوم الشباك. كان بجانب الكتاب، كتابين آخرين كل واحدٍ فيهم يفوق عدد صفحاته السبعمئة صفحة، أحدهم عن تحليل سياسي حول تاريخ المستبدين في العالم (أمثال ستالين وموسوليني)، والآخر عن شخصية هندية دينية معروفة في إحدى ولايات الجنوب.
توقّفت وسألت نفسي بخصوص الكتاب الأول: ماذا يمكن أن أقرأ في سيرة ممثل، في ألف صفحة! وبالطبع لم أجد الإجابة، إلا أن الكتاب بلا شك هو هدية قيمة لمعجبيه عبر السنين، وربما قد سرد فيه كاتبه كل التفاصيل الدقيقة في صناعة الأفلام، وستكون مشكلتي الشخصية إن قررت أن أتعامل مع الكتاب كمصدر ثقافي وفكري رصين.
من حقه أن ينشر ألف كتاب، ومن حقي أن أختار طبعًا ما أريد قراءته، لكن ما أحاول القيام به هو تغطية الفراغ ما بين ما يجب أن نتوقعه من «ممثل» وبين ما يجب أن يكون من «المفكّر أو الكاتب».
3.لدي اهتمام شبه سري منذ أن كنت صغيرًا، وهو المصارعة الحرة. هذه الرياضة تعد ترفيهية وتمثيلًا كما نعرف، وهي لا تلقى أي اهتمام من أشخاص لا يعرفون كواليس الشخصيات ونشأة هذه الرياضة واتحاداتها. وسأعترف إنني اقتنيت كُتبًا عن سيرة مصارعين اثنين، واحد تحدث فيه بطل السيرة بإسهاب عن مشاكل الإدمان والشهرة السريعة في حياته كمصارع، والآخر مجرد إعجاب بشخصية المصارع لا أكثر. لم ولن يخرج الكتابان عن كونهما مصدرًا للترفيه الشخصي الخاص بي، ولن يكونوا بطبيعة الحال مصادر إلهام يُحتذى بها أكتب عنها أمام قرّائي. وأعتقد أنني بوضعي لهما داخل هذه المكانة سأكون عادلًا لهم ولي. وهذا ما يجعلني اليوم أميل إلى اقتراح مفاده: ألا نتوقع الكثير من الفِكر من مصادر لا تعمل في حقله.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.