تخطى الى المحتوى

ما هو تبرير الذكريات السيئة؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

أكتب هذه الكلمات تزامناً مع ذهاب إبنتي سيرين (٤ سنوات) مع مدرستها، في رحلة للعب في قسم ألعاب «مول العرب»، بعد أن استلمنا البارحة رسالة من مدرستها تتضمن إبلاغنا بجدول رحلة اليوم، مع إخطار بعدم وجود أي شروط أو رسوم إضافية لهذه الرحلة.

شريط سريع من الذكريات المضحكة والمحزنة كان قد ظهر أمامي. فقد أعطيت والدتي (قبل عشرين سنة على ما أعتقد) ورقة تُفيد بأننا سنذهب غداً في رحلة مدرسية، لا أذكر تماماً إلى أين اتجهت، مع اختلاف بسيط عن رحلة سيرين، بأن الرحلة (على ما أذكر كانت تتطلب رسوم ٥٠ ريال) وهذا ما جعل والدتي بطبيعة الحال تعطيني مبلغ ٥٠ ريال في يوم الرحلة، إضافةً لحماسي الشديد الذي جعلني أستيقظ مبكراً يومها، لألبس وأتشيك، في محاولة لإبهار أقراني من الأطفال.

شاهدي الأول … أن جدول الرحلة كان قد تضمن وجبة غداء، إضافة للفعاليات التي لا أذكرها تماماً، بل أذكر بالتفصيل ما حصل بعدها.

انتهت الرحلة، وقرر «العيال» أن وجبة الغداء المقدمة لا تُعجبهم، لينتهي بنا الأمر بعد إلحاح شديد بتناول وجبة الغداء في أحد فروع مطاعم «ماكدونالدز».

دخلنا المطعم … بصحبة الأستاذ المشرف على الرحلة، اندفع كُل الطُلاب مثل المجانين لطلب وجبات الغداء، وبقيت أنا وبحوزتي خمسة ريالات قيمة المصروف اليومي، وربما أقل! والتي لم تأتي بي إلا بربع وجبة، في الوقت الذي كان فيه كُل الطلاب يطلبون وجبات تفوق حاجتهم، متحررين من رقابة الأهل.

تكرر السؤال علي من أصدقائي في ذلك اليوم: «ليش ما طلبت؟»، لأرد أنني شبعان .. أو لا أُحب ماكدونالدز! .. والعكس تماماً هو الصحيح.

انتهت الرحلة وعدت إلى المنزل، وأنا أتضور جوعاً .. تغديت مع أهلي، ولسبب ما لم أشتكي من هذا الموقف، ولم أعبر عن استيائي عن ما حصل معي، دون معرفة والدتي بالأمر، والتي كانت ستعطيني بطبيعة الحال إن طلبت منها أو أبلغتها مقدماً بما جرى.

شاهدي الثاني … أن نفس الموقف كان قد تكرر معي في وقت لاحق بظروف مختلفة قليلاً، ومشكلتي الكبرى أنني كُنت «طفل» لا أجيد التعبير، ومتعة مثل تلك الرحلات قد يُغطي على مواقفها السلبية. ولو علمت والدتي بما واجهته في الرحلتين، بالتأكيد كانت ستتجنبه بإعطائي بعض المال الإضافي، والذي لا ألومها حتى اليوم بعدم إعطائه لي، والسبب أن المدرسة وعدت في الرحلتين أنها ستتحمل تكاليف وجبات الغداء، التي كان يرفضها الطُلاب!

قادني هذا الأمر اليوم إلى محاولة شبه هستيرية، بإلإصرار على أم سيرين إعطاءها مبلغاً من المال في حوزتها، مثيراً بذلك استغراب المدرسة، وتساؤلاً آخر «كيف ستشتري بنت بعمر ٤ سنوات أي شيء؟» .. بالنسبة لي لا يهم … فلا أود أن تلتصق أي ذكريات متخلفة في عقل البنت.

تبرير الذكريات السيئة -في رأيي- ينحصر في أمر واحد معظم الحالات، وهو عدم قدرتنا أو تعودنا عن التعبير عن ما بداخلنا عندما نكون أطفال، ليستمر هذا الأمر حتى نكبُر، ليقودنا أخيراً نحو مجتمعات تتأثر مرضياً بسبب ذكريات بسيطة، كان لها أن تُحسم (فقط) بالقدرة على التعبير المستمر.

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟