تخطى الى المحتوى

أعياد الميلاد ليست غبية

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

الطبيعة السوية للإنسان تجبره على التغيُر والتطور بنِسب متفاوتة مع الوقت.
القناعات.. الأفكار.. التصرفات والظروف كلها قابلة للتغيُر، إلا المبادئ. وفي الحقيقة كُنت (وربما لا زلت جزئيًا) أملك تلك القناعة التي تقول إن أعياد الميلاد ليست أمرًا يجب أن يحتفل به الإنسان.. ومنطقي خلفها هو: كيف نحتفل بنُقصان سنة من حياة شخصٍ ما؟.. ولعل هذا المنطق وإن كان شديد السلبية ويُقرّبنا سنة نحو ما نخاف أن نتذكره، إلا أن العديد من النقاشات الجدلية (التي أصبحت لسببٍ ما أستمتع بها مؤخرًا) قد تسلحتُ بها للدفاع، ولم أستسلم بشكلٍ مُطلق لمن يشجعون بشكلٍ جدي للاحتفال بأعياد الميلاد، حتى جاء يوم المحادثة الكريمة مع أخي وصديقي العزيز د. عبد الكريم الجهني، عندما أخذ مني رصيدًا عالي من الاقتناع بقوله: «أن أعياد الميلاد، هي إعطاء تقدير حقيقي لطفل واحد.. طفل واحد فقط يستحق هذا التقدير إنسانيًا في يوم ميلاده.. وليس تقديرًا عامًا مع آخرين» وكأن الرأي خلف هذا التقدير هو: نود اليوم أن نكون ممتنين لوجودك (يا صاحب عيد الميلاد) في هذه الحياة.
ذلك الطفل الذي يبحث عن الحب والتقدير لوحده.. هو كل الرجال.
كُنت لسنوات طويلة أشعر بغرابة غريبة عندما يهاتفني شخص ويقول لي «كل سنة وإنت طيب».. ربما لأن القناعة لازالت مترسبة كقناعات عديدة أخرى، وأكتفي مع كل تواصل بالردود البديهية. بل أنني لا أتذكر بدقة متى احتفلت بعيد ميلادي أو احتفل بي شخصٌ ما، أقصد بالاحتفال معناه الحرفي.. غناء وهدايا وبعض الصراخ اللطيف.
حصل وأن كُنت برفقة زوجتي وابنتي سيرين عام ٢٠١٤م في مدينة «آنتورپ» في بلجيكا يوم ميلادي، لتُفاجئني زوجتي بتعليق سريع ونحن في وسط المدينة في المساء «اليوم ميلادك، كل عام وأنت بخير.. إيش تبغا هدية؟» ليشتغل عقل الرجل الانتهازي فجأة، وأقوم بالتأشير على محل Bose للسماعات والذي كان أمامنا بالضبط لحظتها، وأقول: «من هنا.. أريد سماعات عازلة للصوت» لتشتريها لي مباشرًة خلال دقائق، لها كل الشكر.. (وبالمناسبة لهذه السماعات قصة طريفة أخرى تستحق أن تُكتب في يومٍ ما).
بالنسبة لبعض الرجال.. تقديرهم يتمثل في الأمور المادية، وبالنسبة للآخرين (وأدّعي أنني منهم) يتمثل بالاكتفاء بوجود من يحبوهم في الجوار في ذلك اليوم بالتحديد، وبقية أيام السنة.
استيعاب الامتنان والنِعم واحتواءها وتذكرها أكبر هدية يجب أن نستشعرها ربما. فكلها تُذكّرنا أنا الدنيا مهما كانت شاقة.. فستكون سعيدة وبخير بعدها بمن هم حولنا.
أيام أعياد الميلاد.. تفتح نوافذ للود، حتى وإن كانت تُذكرنا بنقصان عام من حياتنا.
واليوم لعلني أقول لنفسي.. كل عام وأنا بخير بوجودكم.

شؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

اقتراحات أغسطس ٢٠٢٤م: ألذ مطعم لحم أوصال في العالم

مطاعم: * قبل ثلاثة أسابيع، شرّفنا أخيرًا أحد أبناء إخوتي الذي يزورنا بشكلٍ موسمي كل ثلاثة أشهر، في اجتماع العائلة الأسبوعي. وحكى لي القصة التالية: اقترح عليه صديقه أن يزوروا مطعماً يقدّم ألذ لحم أوصال في العالم، وموقعه في مدينة جدة، خلف سوق الشعلة، اسمه «مشويات بيت الشهباء»

اقتراحات أغسطس ٢٠٢٤م: ألذ مطعم لحم أوصال في العالم