حزمة اعترافات
اليوم لدي حِزمة اعترافات لا طائل منها، وربما لن تضيف لعقل القارئ الكريم، إلا أنها ككثير من الأمور في هذه الحياة، يجب أن تكون موجودة وكفى. مسؤولية استخراج الدروس ليست علي اليوم رجاءً:
- مضى زمنٌ طويل لم أكتب فيه حرف. الفترة الأطول منذ عام ٢٠١٤م. وعلى عكس جميع الفترات السابقة، فإنني اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى أملك في جدول مشاريع هذا العام مشاريع كتابية أكثر مما كتبته طوال حياتي، وهي يجب أن تُنجز قبل نهاية السنة. كيف؟ الله أعلم.
أُحسَب هذا العام (٢٠٢٠م) ضمن فئة الأشخاص الذين يملكون بدايات جديدة جذرية في حياتهم. فالاختلافات الحياتية والعملية لم أكن أتوقعها من قبل، للدرجة التي تجعلني ها هنا أتحدث عن جزء من ظروفها، في حين أنني لا أدعوا الأحباء الكُتاب دومًا للحديث عن أنفسهم وحياتهم الخاصة، إلا أنني اليوم أود أن أستعير بطاقة الاستثناء، التي أصبحنا نستخدمها كل يوم كأنها بطاقة صرف آلي أو ائتمان.
- أُسرتي تعيش -مؤقتًا- في فلوريدا.. وها أنا هنا معهم بعد أن استطعت أن آخذ آخر رحلة على الخطوط السعودية إلى واشنطن قبل قرار منع الرحلات الدولية (حرفيّا كانت الرحلة الدولية الأخيرة من جدة).
لا أود أن أذكر سبب منع الرحلات الدولية هنا لقارئ عام ٢٠٣٠م، ففي داخلي طاقة عِناد كبيرة تجاه أخبار ذلك الشيء الذي شلّ حياتنا وقادنا لتغييرات قد تلامسنا لسنوات عديدة قادمة. على كل حال، انقسام الشخص بين نمطي حياتين مختلفتين تمامًا، أمر مرهق قليلًا. لدي أعمالي والتزاماتي وشركتي الجديدة في جدة، ولدي زوجة وبنات يتوقعون أن أكون معهم طيلة الوقت في جنوب فلوريدا. عندما أكون في جدة، يعتقد أهلي وأصدقائي أنني إنسان «فاضي» ليس ورائي أسرةً تسأل عني. وعندما أكون في فلوريدا، يتوقع الأحباء هنا أنني أيضًا «فاضي» طالما أنني لستُ في جدة حولي مكتب وزملاء وعملاء، ولأنني بالطبع لستُ منضمًا لبرنامج الابتعاث.
هناك صنفٌ ثالث، يعتقد أنني أعيش أجمل أيام حياتي، لأنني أملك بعض الرفاهية في التنقل بين مدينتين كل شهر ونصف، وهذا أمر لا يُقدّر بثمن. وهو في الحقيقة كذلك، إلا أن لحظات الإرهاق وارتجاف اليد والرأس من تعب الرحلة التي تتجاوز العشرين ساعة بشكلٍ دوري شهزي يُنسيك أي حسْ مرفّه، ناهيك عن فارق التوقيت المزعج لنومك ولأعمالك.
فلكي تنجز مع مهامك في السعودية، فإما أن تستيقظ باكرًا جدًا، وإما أن تُطيل السهر، لتستطيع التواصل مع أصحاب المهام هناك.
- أعتقد أنه من المجدي أن أخرج ببعض القراءات بعد أن أنتهي من تجربة العيش بين مدينتين، ربما على شكل كتاب، وربما على شكل مقالات مطولة، بعضها عن أدب السفرات، وبعضها عن تأملات اجتماعية نفسية (وربما سأخصص كتاب أو كتيب عن عادات الأمريكيين السيئة في التسوق والطعام وأنهم لا يرحمون أنفسهم مع الطفح الغذائي الذين يعيشون فيه!)
- للمرة الأولى في حياتي اقترب من حلم كان غريبًا ومستحيلًا. وهو أن تصبح الكتابة مصدر دخل رئيسي.
مشكلة هذه النقطة أن الإنسان لا يعرف أحيانًا ماذا يريد من حياته، فإن تفضّلت وسألت أي شخص في هذا الكون (ماذا تريد من حياتك؟) ستجده يندفع ويخبرك بوظيفة أحلامه، أو ليخبرك عن حلمه باقتناء منزل/سيارة/ساعة/سفرة//زوجة العمر. إلا أن العزيز «رايان هوليدي» كتب في مقالة مطولة عن ماهية ذلك الشعور الذي يصيبك عندما تملك كل شيء حلمت به في حياتك.. ليلخصه في كلمتين: لا شيء.
شعور بارد، ليس كما توقعته، لا يشعرك برضى داخلي كبير ربما، إلا أنه يعطيك فرصة للتفاخر المؤقت أمام الآخرين، ويعطيك نوعًا من الضياع الذي لا تستطيع وصفه. في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الحِرفة -الكتابة- جزءً لا يتجزأ من شخصيتي وحياتي وتكويني، فهي في ذات الوقت أصبحت الشيء الأصعب بشكل غريب. الكتابة ككتابة ليست صعبة، إلا أن حوافها وسلوكياتها والإبقاء على مؤخرة الجسد فوق الكرسي كل يوم ودون توقف، أمر ليس سهلًا فعلًا. والكُتّاب على وجه العموم لا يستحقون أي نوع من التقدير على أفكارهم قدر التقدير والاحترام على قدرتهم بتطنيش ملهيات الحياة ليجلسوا ويكتبوا، حتى إن كان ما كتبوه هراءً منثور.
رغم أنني لم أكتب منذ مدة، فبالتأكيد أن الكلام لا ينتهي.. نحن من ننتهي إذا توقفنا عن عمل شيء ما اخترناه أن يكون وسيلتنا للعيش.
كان الله في عون الجميع.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.