تخطى الى المحتوى

لا تنظر إلى أعمالك السابقة كثيرًا

دائمًا ما توجد مساحات للتعديل في كل شيء، دائمًا هناك خطأ إملائي، أو تركيبة جملة أفضل، أو أسلوب أكثر وضوحًا في قول مسألة ما.

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

أشعر بالخجل عندما أُعيد مشاهدة نفسي وأنا أتحدث في إحدى حلقات البودكاست، أو عندما أتصفّح إحدى نُسخ كُتبي التي نُشِرت. تمامًا كما كُنت أشعر بخجل شديد من تعليقاتي، ومشاركاتي على صفحات الفيسبوك قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، وأخبر نفسي «من هذا الرجل الذي كتب هذا الكلام؟! أوه أنا!».

دائمًا ما توجد مساحات للتعديل في كل شيء، دائمًا هناك خطأ إملائي، أو تركيبة جملة أفضل، أو أسلوب أكثر وضوحًا في قول مسألة ما أمام الكاميرا. دائمًا هناك عيوب أراها تُصيبني بالذعر ولم ينتبه لها – من حسن الحظ – المتابع أو القارئ الكريم.

كُنت قد أرسلت عن طريق الخطأ المسودة التي لم تُنقّح كاملًا لكتابي «وهم الإنجاز» لدار النشر، وقد أخبرتهم أن هذه النسخة جاهزة تمامًا للطباعة، وبعد أن طُبِعت ووزعت آلاف النسخ منها، اكتشفت أنها النسخة غير المنقحة كما يجب. أصابني هذا الأمر بإحباط كبير، وجعلني إما أن أخجل من إهدائها لآخرين، أو إنني أكرر مرارًا وتكرارًا اعتذاري عن خطأي غير المقصود بنشر هذه النسخة التي لا ذنب لدار النشر فيها.

وقد تعلمت منذ زمن طويل ألا أقرأ تعليقات القرّاء في موقع Good Reads لأنها تؤثر كثيرًا على مزاجي، وتعطيني إرشادات غير صحية لمستقبلي الكتابي، فإن كانت التعليقات غاية في السلبية، فإنني أدخل في دوامة إحباط لساعات بعدها، في حين إنني عندما أقرأ تعليقًا إيجابيًا، أُسعد به لدقائق وأنساه بعدها.

اكتشفت أن الكاتب المخضرم والمعروف روبرت جرين، يمارس نفس السلوك، فهو لا يقرأ أبدًا أي شيء كتبه ونشره، ويركز دومًا على مشاريعه الكتابية التالية. وأُخبِر نفسي أنني طالما كُنت أمينًا وصريحًا قدر المستطاع فيما قُلته أو كتبته، فإن لا شيء يجب أن يُراجع.

أتذكر أيضًا الأخطاء الشنيعة التي قُمت بها في حياتي العملية، وكلما عِشت لحظات مع ذكرياتها، أدخل مرة أخرى في موجة طويلة مع اختراع سيناريوهات بديلة لما قُمت به؛ كان من الأفضل لها أن تكون. وبالطبع لا أتذكر في تلك اللحظة أن «الخبرة» هي في الحقيقة معرفة الأخطاء، ومحاولة تجنب الوقوع فيها ببساطة، وهي ما تحسّن وتغير في حياة الإنسان على جميع الأصعدة.

قبل أيام، شاهدت مقتطفات من لقاءين بودكاست (واحدًا كُنت ضيفًا فيه، والآخر مستضيف)، ولمحت عيني تعليقين غاية في السلبية كانوا قد كُتبوا تحتهم من الجمهور. ولا أحكي لكم عن حالة الذُهان التي أصابتني بعدها! ولما قررت أن هذه الحلقتين بالذات هما الأعز على قلبي، ويحملان قدرًا كبيرًا من العيوب!

سبب كتابتي لهذا الاعتراف أنني اكتشفت بالصدفة أيضًا أن أحد عمالقة الاقتصاد والمدونين في العالم، تايلور كوين، والذي يُعتبر بعدة مقاييس أسطورة حية معاصرة، كان قد كتب عن نفس الموضوع بالضبط، وعلمت أن أفضل طريقة في هذه الحياة لاستمرار الكفاح، والإنتاج، والإبداع، هي المضي قدمًا دون النظر إلى الوراء كثيرًا. هذا ما أحاول دفع نفسي للالتزام فيه، وإقناعك بالقيام به.

عن الكتابةمقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.


المنشورات ذات الصلة

للأعضاء عام

كل ما نحتاج إليه أحيانًا كلمة واحدة لنتحرّك

ربما يستحق الأمر أن ننتبه أكثر لكل كلمة نلقيها على الآخرين

للأعضاء عام

لماذا تركت البودكاست؟

أهيم وأُفتن في جهود الكُتاب وإنتاجاتهم الأدبية والبحثية والملحمية، أكثر من قدرة مقدّمي البودكاست على السكوت والإنصات دون كحّات.

لماذا تركت البودكاست؟
للأعضاء عام

عن الالتزامات الاجتماعية

نحن مجتمعات أكرمنا الله فيها بألا حُزن وحدنا، إلا إن أصرّينا، ولا تكتمل أفراحنا دون من حولنا.

عن الالتزامات الاجتماعية