تخطى الى المحتوى

عندما نشتري أشياءً غالية لأبنائنا

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة
عندما نشتري أشياءً غالية لأبنائنا
Photo by Roberto Martinez on Unsplash

نتجه نحن الآباء لشراء الأشياء الغالية لأبنائنا اعتقادًا أنها التعبير الأكبر للحب، وجزء منّا يحاول أن يُخفي تقصيرًا ما.

كل الذكريات التي أحملها من طفولتي لا تتضمن ملابسًا غالية أو مقتنيات ثمينة.

ولا يهم إن سألت اليوم: هل كان والداي يشترون لي أشياءً غالية أم لا؟ فالذكريات بالطبع لا تصنعها المقتنيات. بل تصنعها الكلمات والأوقات والمواقف.

يحتفظ الشاب عندما يكبر بكثير من اللحظات التي كانت تحمل الحب والتعليم والتوبيخ فقط. لا أذكر ماذا كُنت ألبس عندما صفعني أستاذ العربي على وجهي في صف الثانية ابتدائي عندما ظن أنني كنت صاحب الصوت الأعلى في الفصل وليس الأخ الذي أيضًا لا أذكره كان بجواري يصيح مثل الديكة، لكنني أذكر تمامًا كيف كان شعوري.

ولا أتذكر من إحدى المناسبات سوى تخويف أهلي لي بعد أن صرّح أحدهم في العشاء أنه أكل ثلاث قطع من ورق العنب (تعبيرًا عن لذّته) لأقفز كطفل معلنًا أنني الفائز لأنني أكلت خمس قطع، وتنتهي تلك الليلة بتوبيخ صارخ من أهلي لأنني أشجع الآخرين على «إعطائي عين» بعد أن قلت عدد الحبات التي أكلتها، ليلتصق هذا الخوف من العين في عقلي طيلة سنوات طويلة وتصبح إحدى مخاوفي الكبرى في هذه الحياة، حتى تخلّصت من هذه العُقدة تمامًا على خير قبل فترة قصيرة.

إحدى الأخوات كانت بارعة في طفولتها في حِرفة الخياطة، حتى دخل عليها والدها ووبخها أنها طفلة مثل العجائز تحمل في يدها قطعة قماش وإبرة الوخز، لتترك هذه الحرفة لحظتها وللأبد، بل أنها اعترفت.. «عندما دخلت الجامعة كانت إحدى المواد تتطلب عملًا فنيًا يتعلق بالخياطة، وفي كل وخزة إبرة أثناء عملي على القطعة كنت أتذكر ذلك التوبيخ».

أتذكر المشاوير الفردية التي كانت بصحبة والدي.. ولا أتذكر بالضبط نوع السيارة أو الشماغ الذي كان يرتديه، ولا أتذكر إن حتى تفصيلًا واحدًا في ملابسي.

أتذكر أجمل إجازة قضيتها في حياتي في شتاء الرياض منذ أكثر من عشرين سنة برفقة العديد من العوائل والأرحام، وأتذكر الألعاب والمغامرات التي كانت برفقة ابن عمتي وبنات عمي، ولا أتذكر في تلك الإجازة مناصب أو ثروات أو مقتنيات أحدٍ فيهم.

الدروس والقيمة والتأثير يُصنعون من البشر، وليس من مقتنياتهم أو أموالهم أو مناصبهم.

الذكرة والتكوين تُصنع من الكلمات.

وأعلم اليوم أن بناتي سيبحثون عن الكثير من الوقت برفقتي، وسيتذكرون لحظات هذه الرفقة ويحكوها لأبنائهم.. وربما إن كان لديهم فائض من الذكرى، سيعلمون كم صرفنا أو اشترينا لهم.

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)