تخطى الى المحتوى

عن جيل زد

تعليقي الشخصي وردي على المنشورات المسيئة.

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
1 دقيقة قراءة
عن جيل زد
Photo by Baptiste Buisson / Unsplash

انتشرت مؤخرًا عدة منشورات تهاجمني وعليها صورتي. تضمّنت هذه المنشورات (على لساني) صور بوسترات أو مقاطع متجزئة تقول: «إن جيل الألفية غير مستعد للعمل» أو «إنه غير كُفء» أو «إن موظفي جيل الألفية يكلمون آباءهم عندما يُفصلون». استقبلت على إثرها عشرات الرسائل في مختلف قنوات التواصل الاجتماعي، وعلى جوالي الشخصي، وعلى الواتساب الخاص بي، وعند العديد من أفراد أسرتي وأصدقائي المقرّبين.

وربما تكون هذه فرصة للتعبير عن رأيي الحقيقي حول هذا الجيل. ولذا سأكتب بعض تعليقاتي الشخصية هنا:

١. قرابة سبعين بالمئة من موظفي شركتي التي أملك حصة فيها هم من مواليد جيل «زد» (١٩٩٧–٢٠١٢م)، وبعضهم وُلدوا بعد عام ٢٠٠٠م. طبعًا أتحدث عن موظفين سعوديين من الذكور والإناث، وموظفين مقيمين. وكان لي الفخر أن أشرفت على توظيف بعضهم والمشاركة في مقابلات التوظيف. ولا أعتقد أن أي شركة صغيرة أو متوسطة أو كبيرة هذه الأيام تستطيع أن تقوم على نفسها دون وجود كوادر من هذه الفئة العمرية. أداؤهم ممتاز، شديدو الانضباط والذكاء، وأتوقع حصول بعضهم على مناصب كبيرة واستثنائية في المستقبل، سواء في شركتنا أو في أماكن أخرى. ثم إن علاقتي بهم علاقة ممتازة ولله الحمد، وليس فيها منغّصات، تعتمد عليهم إدارة الشركة بعد الله في مهام يومية معقدة وحساسة جدًا مع عدة عملاء من القطاع الخاص والعام. ولولاهم بعد الله، لما قام لشركتنا قائمة.

٢. أحكي دومًا لمن حولي «أنني مفتون جدًا» باجتهاد بعض أصدقائي – والذين أعدهم بمكانة إخوة – أصغر مني بأكثر من عشر سنوات من جيل «زد». أتذكر هذه اللحظة أخي الشاب المجتهد في عمله أحمد عطار (الذي تشرفت وسُعدت بالعمل معه في منصة مختلف)، وأخي الحبيب أسامة الإمداد، الذي لا يكل ولا يمل في إنجاح مشروعه الخاص في السياحة والسفر (سي للسياحة). هم وغيرهم يعلمون يقينًا أن أي فرصة عمل أو تعاون أو شراكة سانحة لي معهم، فإنني سأكون أول من يسعى إليها في أي وقت. كما أتمنى صدقًا أن يكون ابني عبد الملك مثلهم في أخلاقهم واجتهادهم الدؤوب في يوم من الأيام.

٣. المقطع والمنشورات المتجزئة على لساني كانت من لقائي بمربية فاضلة في بودكاست بارتشن (السيدة أروى السنوسي) وهي حلقة لطيفة تعنى بإرشاد الأهالي للتعامل مع المراهقين، ولعلها دعوة صادقة للجميع لمشاهدة الحلقة كاملة والاستفادة منها.

هنا المقطع كاملًا (غير مجتزأ):

0:00
/0:48

وهنا رابط الحلقة كاملة:

٤. وكما هو واضح في المقطع الأول، فقد كان سؤالي للضيفة لمعرفة تعليقها عن إحدى مقاطع الريل التي انتشرت مؤقتًا وقتها لرجل أعمال أمريكي يحكي عن قراره بعدم توظيف جيل «زد» لاقتناعه بعدم قدرتهم على الانضباط، وقد حكى أنه عندما فصل اثنين من الموظفين قام آباؤهم بالاتصال عليه للاستفهام. وقد ذكرت في الحلقة حرفيًا أن هذه الحادثة حصلت في أمريكا وليس عندنا. كان دافع السؤال طبعًا الحديث عن الجيل الأكبر قليلًا من المراهقين للضيفة بحكم تخصصها، ولم يكن هناك أي إشارات أو إيماءات تجاه عدم كفاءة أو انتقاد هذا الجيل حسب سياق الحلقة كاملة، بل على العكس، كان فيها كثير من الإرشاد والتفهّم وكثير من النصائح للآباء والمربين. ولذا، فإنني بكل حسن نية أستنكر ما نُشر ونُسب إليّ أو على لساني، كما أستنكر اجتزاء المقاطع بشكل سلبي ونشر آراء سلبية حوله رغبة في تهييج الرأي العام.

٥. لدى والدتي اثنان وأربعون حفيدًا. نصفهم من مواليد هذا الجيل. أرى بعيني شخصيات متماسكة، ونظرة مختلفة عما كنا عليه، كثير منهم منضبطون بزيارة النادي إلى جانب دراستهم، وبعضهم يسعى للحصول على وظيفة جزئية إلى جانب جدول الدراسة. هذه السمات لم تكن بصراحة سمات جيلي (مواليد الثمانينيات) عندما كنا بعمرهم. يعرفون كل شيء، ولديهم اطلاع مرعب وآراء صريحة تنم عن وعي واضح تجاه شؤون الحياة. وأعتقد يقينًا أن أي شخص ينتقد هذا الجيل انتقادًا غير موضوعي فإنه يشعر إما بالغيرة، أو بالتهديد من إمكانياتهم، أو أن روحه قد سُمِّمت بالغضب. فلكل جيل هفواته وميزاته. أما أنا، فعيني لا تخرج عن نظرتي إلى الميزات التي ستجعلهم خير من يقود مستقبل وطننا الكريم.

لاحظت أن عدة حسابات أعادت نشر المقطع كانت حسابات ذات معرّفات وهمية. وكل مواطن ومقيم في هذا البلد السخي يعرف ما لحقنا به من أضرار إعلامية كانت إحدى أكبر أسبابها هذه المعرفات؛ التي أسهمت في أكثر من مناسبة بتلبيس الرأي العام، ونشر الكراهية، والفتنة، والعنصرية، التي لا يستفيد منها إلا الحاقدون.

وعني.. وُلدت في الرياض، وترعرعت في جدة، ودرست كل مراحلي التعليمية في المملكة، وعملت منذ عام ٢٠٠٥م في مختلف القطاعات، كلها داخل المملكة، وشركتي التي أعمل فيها الآن كان بدايتها فرصة تجارية ممتازة مع صديقي العزيز وأخي كومار (من دولة الهند) بعدما اتفقنا بالدخول والاستثمار في سوق المملكة في القطاع اللوجستي، وقد توّجت هذه الفرصة بنشوء شركة قوامها قرابة خمسين موظفًا، مملوكة بين مستثمر أجنبي وآخر سعودي. خمسون موظفًا خلف كل واحد منهم أسرة يعولها، أو مسؤوليات لا يعلم عنها إلا الله. جوهرة تاج هذا الاستثمار هي موظفونا الذين لا نرى في غيرهم سندًا بعد الله. وهل يعقل أن أغلط عليهم؟

احتفلت الأسبوع الماضي بكتابتي لألف مقالة. هذه المقالات لم آخذ مقابلها ريالًا واحدًا، ولم يكن حول كتابتها أي أجر مدفوع بشكل مباشر أو غير مباشر. كتبتها لكل من هم مثلي في المملكة (ودول الوطن العربي)؛ من يسعون إلى حياة كريمة محفوفة بالفكر والتأمل ومقادة بالطموح والسعي الدؤوب. وحتى اليوم، بعد مضي أكثر من عشر سنوات على انضباطي في حرفة الكتابة، لا زلت أعاني من تحديات مبيعات الكتب، والبحث عن دور نشر جديدة، وعن محاولة جلب عدد أكبر من القراء المخلصين. ما أحاول قوله، إنني مثل الكثير من أبناء جيلي ومن هم في عمري، لا زلت أسعى بقدر ما أوتيت من استطاعة وجهد لمستقبل أفضل.

كل حلقاتي التي صوّرتها كضيف أو مستضيف في البودكاست هي الأخرى لم أتقاضَ عليها فلسًا واحدًا (حتى كتابة هذه السطور). كنت أسعى لأن يكون خلفها شرط وحيد: أن تكون الحلقة ذات معنى، وذات قيمة ولو الشيء البسيط، دون ظهور مجرّد.

من المفترض أن أكتب اليوم مقالة تتحدث عن نصيحة إضافية متعلقة بالإنتاجية وتنظيم الوقت لقراء المدونة. إلا أنني اضطررت إلى التحدث عن هذا الأمر مع الأسف.

وها أنا أكتب هذه الكلمات وأنا حزين من السبب الذي قادني لكتابتها بدلًا من مقالة الإنتاجية. وحزين لأن كل من حولي من أصدقاء وأهل قد طالَهم الهمز واللمز دون ذنب منهم، أو ذنب لكاتب هذه السطور. وبعد أن تنتهي القسوة، سأعود لما اعتدت عليه، آملًا ألا يطال الآخرين ما طال معارفي من ضرر.

وعند الله تجتمع الخصوم.


استهلال:

١. هذه المقالة كُتبت في تاريخ ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٥م. الغرض منها بلا شك ليس تبرير خطأ لم يحدث، إنما فرصة لطيفة للتعبير والتوثيق الكتابي للأفكار والمشاعر التي لحقت الحدث. وقد تم نشرها لزملائي في العمل بشكلٍ خاص وقتها.

٢. نُشرت هذه المقالة في اليوم الذي سأُحل فيه ضيفًا على مهرجان برنامج «أقرأ» (من تاريخ ٥ - ٧ ديسمبر ٢٠٢٥م) وهي مبادرة تابعة للصرح العظيم «مركز إثراء» في الظهران. حيث تشرّفت بأن أكون عضوًا في اللجنة الاستشارية لموسم هذا العام. برنامج أقرأ يعنى بتشجيع طلاب مرحلة المتوسطة والثانوية والجامعة (جيل Z) في مختلف دول العالم العربي على تكثيف عادة القراءة، وزيادة مساحات التأمل والتفكير، وغيرها الكثير من الأنشطة الثقافية العظيمة.

كما كان لي الشرف بأن قدّمت ورشة عمل قبل أربعة أعوام لطلاب الابتدائية عن كتاب ثورة الفن، كانت الورشة جميلة وممتعة في نقاشاتي مع الطلاب.

تذكّرت أن إحدى البنات طلبت منّي أن أكتب عن هذا اللقاء وعن ما رأيته في جيلهم، وربما ها هي المقالة كانت قد حانت. (الصورة برفقة الطلاب في مركز إثراء، بتاريخ ٢٩ نوفمبر ٢٠٢١م)

طالع أيضًا:

الآراء الشخصية في زمن التوحّش: على شواطئنا باقون.. | مدونة فؤاد الفرحان
الإنسان الوحيد الذي لا رأي له هو الميت؛ فما دمنا أحياء، سنملك آراءً حول كل ما يحتك بنا أو يستوقفنا، سواء أردنا ذلك أم لا.
عن العمل وريادة الأعمال

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.


المنشورات ذات الصلة

للأعضاء عام

ما زلت لا أُقابل أحدًا في الصباح!

ولا أُفضِّل الاجتماعات الدورية.

ما زلت لا أُقابل أحدًا في الصباح!
للأعضاء عام

كيف تعمل بجد؟

مقالة عظيمة بقلم بول جراهم.

كيف تعمل بجد؟
للأعضاء عام

اقتباسات الجمعة

لا يريدون موظفوا جوجل العيش في العالم الذي خلقوه!