تخطى الى المحتوى

هل تنتهي الأفكار الإبداعية؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
هل تنتهي الأفكار الإبداعية؟

فوجئت اليوم باستقبال التدوينة اليومية لأحد أهم الشخصيات التي أكن لها كل التقدير والاحترام والتي أتابعها عن كثب منذ سنوات Seth Godin، وهو يتحدث عن أمرٍ غريب:

بعد مضي أكثر من ثمانية عشر سنة في التدوين وإصدار ثمانية عشر كتابًا إضافةً إلى العديد من الكتب الإلكترونية المجانية، يقول أن أفكاره الإبداعية قد انتهت .. انتهت تمامًا ولا يوجد شيء يقدمه للآخرين. ويشجع في تدوينته من زاوية أخرى المبدعين بأن يُحسنوا استخدام أفكارهم الإبداعية التي يملكوها الآن.

لم ترقني أبدًا المقالة، وبدافع حُسن النية، تخيلت أن سيث يعاني كأي إنسان آخر من بعض الهبوط العقلي المؤقت، أو بعضًا من الاكتئاب الذي جعله يقول كلمته والتي أعتقد جديًا أنه سيتراجع عنها بشكل معلن أو غير معلن، أو ربما صدف أنه يواجه مشكلة مالية أو عائلية بسيطة قد قلبت كيانه، ليعبر لنا بطريقة غير مباشرة بها.

التحدي الأكبر الذي يواجه الأفكار الإبداعية، عندما تكون مجرد أفكار، أنها .. بالفعل مجرد أفكار، ولا قيمة لها إن لم يستلمها أحد ليعمل بها. وسيكون هذا الأمر تطبيقاً صريحا لما اعتاد قوله اليوتيوبر الشهير Casy Niestat بـأن: «الأفكار هي أسهل شيء نملكه، لا تعطيني أفكارك!».

المفهوم الإبداعي لا يمكن أن يُطلق عليه إبداعي دون العنصر الإنساني في المعادلة، فإن كتبت كتابًا مثل «ثورة الفن: كيف يعمل الفنان وكيف يعمل الآخرون» لم يقرأه أحد أو يحاول تطبيق التجارب المذكورة فيه؛ فإن الكتاب يصبح ببساطة لا شيء، مجرد كلمات على صفحات ورقية، لا تضيف ولا تأخر.

مهمة الكتاب مثل باقي الأفكار والأعمال الإبداعية أن تُغير، وتحسن، وتجعل واقعنا أفضل.

لا ينحصر الإبداع كما هو معروف على الأفكار الجديدة فقط، بل يطال أفكارًا بالية قديمة لتُقدم في قالب جديد، أو لجمهور جديد (وهذا ما رديت به على سيث). والخوف من سرقة أفكارنا من قِبل الآخرين، من الأمور التي تشعرني كثيرًا بالشفقة على من يؤمن بها، لأن العقل الذي ولد تِلك الفكرة اليوم، سيستطيع أن يولد العشرات غيرها في وقتٍ آخر، تمامًا كما تتولد الذكريات والعواطف معنا، تمامًا كما تتغير الاهتمامات والأمور التي نحبها. سُنّة هذا الكون هي التغيير، ولعل التغيير هو أحد الحقائق المطلقة التي خلقها الله عز وجل معنا في هذه الحياة.

الفكرة عندما تولد فهي باختصار طريقة تعبير مختلفة نشعر أو نحتاج إليها. ولا شيء آخر.

أن تختار حليبًا ساخن لتناوله مع الكورن فليكس، قد تكون فكرة إبداعية بالنسبة لك، وغباءً بالنسبة لآخرين. إلا أن حتى مثل هذه الأمور البسيطة، يمكن استعراضها على مؤشر الأفكار الإبداعية. فكل شيء نمارسه أو نلبسه أو نخطط له، ما هو إلى فكرة إبداعية قديمة لشخصٍ ما!

لا يوجد ما يُسمى «لا أملك أفكارًا إبداعية» ولا يوجد ما يُسمى «أن أنتظر الإلهام لأتحفكم بأفكاري» .. يوجد شيئين لا ثالث لهما: كسل أو خوف.

مقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

دعوة للاهتمام بفترة التجربة

بغض النظر عن المدة التي قد تستغرقها تجربة الأشياء والمهام والوظائف، وحتى العلاقات الجديدة (سواء الرومنسية أو المهنية)، فإنها ستكشف عن بعض الاختلافات بين الأفراد. هذه الاختلافات مهما حاول كل الأطراف إخفاءها، سوف تتجلى في التعبير عن أعماق الذات، التي قد لا تكون بالضرورة سلبية، بل متنوعة. فترة التجربة، هي

للأعضاء عام

الشهرة لا تعني المال

أقابل آنسة من معارفي في إحدى مهرجانات السينما، أسألها عن حالها وحال السينما، وعن حال الجميع هنا، لتخبرني: «هل تعلم ما هو القاسم المشترك بين كل من تراهم هنا؟ الجميع أنيقين. والجميع مفلسين». ثم أقابل أحد الأصدقاء، يحكي لي عن بضعة أشخاص معروفين في الوسط الفني، يعانون – رغم شهرتهم الواسعة

للأعضاء عام

لا بأس بالتكرار

كلامي اليوم موجّه للفنانين بكل حِرفِهم. لا بأس بالتِكرار. حياتك عبارة عن أيام عديدة، وعندما يطّلع على أعمالك المتابعين فإنهم ليسوا بالضرورة هم نفسهم الذين اطّلعوا على أعمالك قبل سنتين أو ثلاثة. وبطبيعة الحال، هناك أعمال معينة تهتم بها أنت شخصيًا أكثر من