تخطى الى المحتوى

ماذا يحصل عندما تُبالغ في اللطف؟ (الجزء الأول)

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة
ماذا يحصل عندما تُبالغ في اللطف؟ (الجزء الأول)
Photo by Suhyeon Choi / Unsplash

سأحكي لكم قصة، قد تكون سطحية. لكن موقفها غيّر حياتي إلى الأبد.

السيدة التي أخذت مكاني

في إحدى رحلاتي الدولية، اتجهت إلى مقعدي المدوّن على بطاقة صعود الطائرة، وجدت أن سيدة كبيرة في السن كانت قد جلست فيه؛ الذي صادف أنه في الصف نفسه الذي يوجد فيه بقية أفراد عائلتها. هذا الموقف التقليدي يتكرر مع الكثيرين، البعض يُصرْ على الحصول على المقعد المكتوب بدافع الحق، وآخرين يبدون شيئًا من اللطف والتعاون، ويستبدلون مقاعدهم مع من أخذ مكانهم. إلا أن ذلك اليوم كان مزاجي رائقًا بشكلٍ عام، وعمومًا أدّعي أنني لستُ من هواة التعقيد أو المشكلات، ولا يشكل مثل هذا الأمر الكثير من الفوارق لرحلتي.

قررت أن أتّجه إلى ملّاح المقصورة، واستحضرت المبالغة في اللطف، وأخبرته بالتالي:

«صباح الخير، هناك سيدة أخذت مكاني. أرجوك لا تجعلها تُغير المكان. وفي الحقيقة لا أمانع الجلوس في أي مكان في الطائرة، حتى وإن كان وسط المطبخ. لاحظت أن الطائرة مزدحمة تمامًا اليوم، ومهمتي أن أجعل حياتك وحياة زملائك أسهل قليلًا، سأقف هنا جانبًا، ريثما تنهي تنظيم سير الركّاب، ويمكنك أن تُجلِسني بعدها في المكان الذي يحلو لك».

لا أنسى نظرات المُضيف وصمته، ثم نطق: «يا أخي يا ليت كل الركّاب زيّك»، طبعًا فرحت بهذا الرد. أخبرته إنني أملك كثير من الأصدقاء الذين يعملون في المِلاحة الجوية، ودائمًا ما أسمع شكواهم وملاحظاتهم على الركّاب، ولاستيعابي أن آخر ما يتمنونه في يومهم الطويل والمرهق هو راكب غثيث، أو ركّاب غير متعاونين مستمرين في المطالبة بحقوقهم التي تتعارض مع حقوق أُناس آخرين، التي تصيبهم بشيء من الحيرة واللخبطة التي ليس لها داعٍ.

عاد إليَ المُضيف، وطلب مني الذهاب إلى مقعد الصف الأول (الذي يفترض بي دفع مبلغٍ إضافي للحصول عليه في أثناء الحجز) كتقدير للُطف. وأخبرني، أنه إن كان يملك صلاحية، كان سيعطيني مقعدًا في الدرجة الأولى، إلا إنني رحبت بما أتى منه. وبالطبع لا أحكي لكم، عن كمية الدلال في أثناء الرحلة نفسها.

قررت منذ ذلك اليوم، أن أُبالغ في اللطف والشكر مع أي شخص يقوم بخدمة لي، حتى وإن كانت حقًا أصيلًا من حقوقي، ووجدت مع تبني هذا السلوك أن مفعوله مثل مفعول السحر، آخذ الخدمة، ومعها كمًا لا بأس به من الهدايا الجانبية.


ولاقترابنا من إجازة الصيف، ونية الكثيرين السفر إلى الخارج، سأتحدث في المقالة التالية عن آلية تعامل محددة مع الأتراك، أو أصحاب الجنسيات صعبة المِراس، وعلاقة هذا الأمر مع اللُّطْف المبالغ فيه.

شؤون اجتماعيةسيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟