تخطى الى المحتوى

عندما تقتلنا الوِحدة دون أن نشعر

مقالة مطوّلة للوقاية من الهوان الروحي

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
عندما تقتلنا الوِحدة دون أن نشعر
Photo by Khashayar Kouchpeydeh / Unsplash

يتحدّث معي صديق عزيز عن إحساس ونمط جديد بدأ يتفشّى داخل مجتمعنا المعروف بصلابة تكاتفه وقرب أفراده، ويحكي لي أنه بدأ يسمع أكثر من أي وقتٍ مضى «أن الوِحدة هي ما أخشاها» من عدة أشخاص حوله، وبالأخص من النساء، وبأكثر خصوصية الذين يعيشون وحدهم في مدينة بعيدة عن أهلهم بسبب العمل أو الدراسة لفترات طويلة من الجنسين. تذكّرت مقالة لمارك مانسون قرأتها قبل سنوات عن حادثة مؤثرة، وهنا جزء منها:

في ديسمبر 2003، توفيت جويس فنسنت بسبب نوبة ربو على ما يبدو في شقتها شمال لندن. تُرك التلفزيون مفتوحًا. استمر تسليم البريد. تم إعداد إيجارها ليتم خصمه تلقائيًا من حسابها المصرفي. مرت الأيام ولم يلاحظ أحد أنها رحلت.
تحولت تلك الأيام إلى أسابيع، والأسابيع إلى شهور. كانت هناك صناديق قمامة كبيرة على جانب المبنى المجاور لشقتها، لذلك لم يهتم الجيران بالرائحة المنبعثة من شقتها. كان الطابق مليئًا بالأطفال والمراهقين الصاخبين ولم يتساءل أحد عن صوت التلفزيون المستمر في الخلفية.
في النهاية، نفد رصيد حساب جويس المصرفي. أرسل لها مالك العقار رسائل تحصيل. هذه الرسائل، مثل غيرها، سقطت ببساطة في أكوام متناثرة على أرضية غرفتها. لم يتم الرد عليها. أخيرًا، بعد أكثر من ستة أشهر من تأخر دفع الإيجار، حصل مالك العقار على أمر قضائي لإخراجها قسرًا من المبنى. كسر الحراس الباب، وعندها فقط تم اكتشاف جثتها. كان ذلك في يناير 2006، بعد أكثر من عامين من وفاتها.
خلال تلك الفترة، لم يأت أحد للبحث عن جويس فنسنت. لا عائلة. لا أصدقاء. لا زملاء عمل. لم يطرق أحد من الجيران الباب للتأكد من أن كل شيء على ما يرام. لم يتصل أحد. لم يتفقد أحد حالها. كانت تبلغ من العمر 38 عامًا عندما توفيت.
هذه القصة مذهلة من حيث آثارها الاجتماعية. من الصعب تصديق أن سنوات كاملة قد تمر دون أن يلاحظ أحد وفاة شخص ما. ومع ذلك، فإن هذا النوع من القصص يحدث بشكل متكرر. من المحتمل أنك شاهدت خبرًا مشابهًا لخبر جويس فنسنت. وجميعها متشابهة.
يعيش الشخص بمفرده. يفقد الاتصال بأسرته وأصدقائه. لا يلتقي أبدًا بجيرانه. يبقى منعزلاً مع تلفازه أو جهاز الكمبيوتر لسنوات. يستمر العالم في الدوران كما لو أنه لم يعد موجودًا، حتى يأتي يوم لا يكون فيه موجودًا بالفعل.

أذكر أن المقالة كانت قد استوقفتني كثيرًا عندما انتهيت منها. وأذكر أنَّنِي تجاوزتها لاعتقادي أن مثل هذه المشاكل لا تحدث لنا، لأننا – حسبما قلت في البداية – مجتمعًا لا تتسم فيه الروابط الاجتماعية بتقصير واضح وحاسم مثل ما هو موجود لدى الغرب؛ حتى عادت ذاكرتي لهذه القصة.

في إحدى الفجريات التي تقطّع فيها النوم، كُنت في سفرة وحيدًا في منزلي في إسطنبول في جو شديد البرودة، رَعَدَ صوت رعد مرعب خلف النافذة، أصابتني للحظات نوبة هلع، قُمت على إثرها من السرير لأفتح الستائر وأنظر إلى الخارج بعد أن حكمت بأن [القيامة] قد قامت، لأتأكد بأن الصوت هو بالفعل صوت رعد! وليس بداية زلزال كما كان متداولًا توقُّعَهُ في الأخبار. وبعد أن هدأت دقّات قلبي وتوقّف الهلع، تأملت سبب خوفي المفاجئ! فلستُ من الأشخاص الذين يخافون أبدًا من صوت الرعود، وطبيعتي عمومًا لا تتسم بسرعة الانفعال من أي مؤثرات خارجية إلا ما ندر؛ ولكن ما الذي حصل لي؟ واستوعبت!

خفت من فِكرة الموت وحيدًا. وليس من صوت الرعد.


المنشورات ذات الصلة

للأعضاء عام

تأملات صغيرة في المرض

شهية غير مفتوحة على الأكل، لكنها مفتوحة على تضييع الفلوس.

تأملات صغيرة في المرض
للأعضاء عام

كيف ترضى بأن تكون عاديًا؟

وليس مثل بروس وين

كيف ترضى بأن تكون عاديًا؟
للأعضاء عام

هل فكرت يومًا بحجم ديونك (تجاه النوم)؟ أنا فكّرت وهنا النتيجة

مقالة مطوّلة عن حياتنا مع النوم

هل فكرت يومًا بحجم ديونك (تجاه النوم)؟ أنا فكّرت وهنا النتيجة