تخطى الى المحتوى

لماذا لم يكن الحُب محبوبًا لدى العرب قديمًا؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
1 دقيقة قراءة

يتناول الكاتب المخضرم سعيد السريحي في كتابه «العشق والجنون: دولة العقل وسلطان الهوى في الثقافة العربية» حالة الحُب في الثقافة العربية القديمة، وكيف أن الكثير من المسلمين والعرب في القرون الوسطى الإسلامية كانت قد حاربت حالة الحب التي تهبط على قلوب العُشّاق، بل أن الكاتب أشار إلى أن بعض السلف كانوا قد حاربوا الحب للدرجة التي جعلتهم يقارنوه بالشِرك بالله عز وجل وحاشاه، ابن الجوزي أحدهم. فالعاشق يهيم (والهُيام داء كان يصيب الإبل لترتوي من شدة عطشها بالماء، وكلما زاد ارتواءها كلما ازداد عطشها.. حتى تموت).. ويهوى (الهوى: من الهاوية). بل أن هناك أكثر من خمسين مرادفًا للحب في اللغة معظمها ذات معاني سلبية.

يُصاب العاشق بنوع من الوله لعشيقته، وتبدأ حياته بالتغيُر، وتبدأ فجأة بالتشكُّل على ظروف عشيقته، فكلما اختفت، اختفى جزء منه ليحل القلق والافتقاد بديلًا عنها. وكأن حالته أشبه بماكينة تنتظر الوقود لتعمل، ويكون ظهورها هو الوقود للحياة.

يسأل نفسه وعشيقته «كيف كنت أعيش من قبلك؟» أو ليقول لها لحظتها «لا أستطيع أن أعيش من دونك» وهو صادق حسب رأي «أوشو» بوصفه أن الرجل عندما يقولها فهو صادق تمامًا. لكن كل المشكلة أن صدقه ينحسر في تلك اللحظات فقط. تمامًا مثل الطفل الذي يعدك (وهو صادق) بأنه لن يأكل شوكولاتة مرة أخرى، لتصبح المسألة مسألة وقت حتى يعود لسابق عهده.

وبعدها.. يعتاد على وجودها وتصبح العشيقة جزءًا عاديًا في هذه الحياة كباقي الأمور، وتعود الحياة لتوازنها الصحيح. هذه هي سُنّة الحياة.

وإن أبدينا حُسن النية، فإن أسلافنا لم يكونوا مرحبين بفكرة الاستسلام النفسي والعاطفي التام لمن نعشق، حتى وإن كان مؤقتًا. فالاستسلام إن وصفناه في الحب، سيُختزل في الانتظار المستمر، وتعطُّل العقل، وزيادة الأرق والقلق، وتوقّف كل الأنشطة الذهنية التي تستحق بعض التركيز.. وبلُغة أخرى، لا تُصبح الصلاة صلاة.. ولا يُصبح العمل عملًا بانحسار العقل في اتجاه العشيق، بل ولا حتى رفقة الأصدقاء تُصبّح ذات قيمة، في وسط وجود العاشق فيزيائيًا فقط بينهم.

ويصف الأديب الفرنسي مارسيل بروست هذه الحالة ببلاغة لطيفة حينما يقول: «إن الذين ليسوا في حالة حب لن يفهموا كيف يمكن لرجل ذكي أن يعاني بسبب امرأة غبية».

وتعليقي الأخير على بروست والسلف الكريم.. أن كليهما لا يريدون أن يظهروا أو أن يظهر الآخرين بمظهر الأغبياء والمستسلمين. فبالتالي لا يبالغون في تشجيعهم لأن يخوض الآخرين قصص العشق.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع