تخطى الى المحتوى

لماذا ينقص ذكاء الإنسان كلما ازداد ماله؟ | قصة وفاة مايكل جاكسون

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

هذه المقالة نُشرت مؤخراً على هاڤينجتون بوست-عربي.


«كلما ازداد مالك وازدادت قوتك، كُلما زادت احتمالية أن يقل ذكاؤك» يقول Burkly.

ويضيف: «لأن عدد الناس الذين سيخبروك أنك على خطأ سيقلون. وأعتقد شخصياً أنه سيستفيد أكثر [يقصد مايكل جاكسون] من الأشخاص الذين يقولون له إن كان على خطأ».

كانت هذه الجملة التي سمعها Zack O’malley Greenburg مؤلف كتاب Michael Jackson Inc والذي استعرض فيه سيرة حياة المغني المعروف المالية قبل مماته. جاء هذا التعليق في تحليل حالة المغني عام ٢٠٠٧ عندما بدأت ثروته في التآكل إلى حد الإفلاس.

لم ينتج جاكسون أي أعمال جديدة أو حفلات منذ عام ١٩٩٧ حتى ٢٠٠٧. ليستيقظ في أحد الأيام ويجد نفسه غارقاً في الديون. كان السبب ببساطة أن صرفه الباذخ أصبح أكثر من حجم دخله كل عام، ولم يقف ولا شخص واحد من حوله وقفة صارمة ليقول له «مايكل .. إنتبه أنت على خطأ!».

توجه في ذلك العام إلى الملياردير العقاري Tom Barrack والذي كان يتجنب في العديد من المناسبات لقاء المغني، ومع إصرار الأخير، تم اللقاء بينهم في مدينة لاس فيجاس.

أعجب باراك بالمغني جداً ويعلق: «ليس طفولياً كما يقولون .. بل إنه مستوعب تماماً مشكلته ومستعد للتغير من أجل حلها» ..

طلب المغني من رجل الأعمال (الناجح في إدارة الأصول والثروات) أن يساعده في إخراجه من هذه الأزمة. كان باراك يدير محفظة أصول بقيمة تجاوزت ٣٥ مليار دولار حول العالم، وهو ينتقل من نجاح لنجاح في هذا الأمر مما استدعى المغني أن يستعين به.

عند نهاية اللقاء اقترح باراك على المغني أن يأخذ جميع المستندات المتعلقة بأصوله ودفاتر شركته، قام بمراجعتها خلال يوم … ليعود إلى محاميه ويخبره أن مايكل بالفعل يمر بأزمة مالية حقيقية.

كانت هناك مجموعة اقتراحات جذرية خلال عامين من العمل، منها استغناء المغني عن منزله المعروف Neverland ليعوض ديونه المتراكمة والتي كان يصرف سنوياً ١١ مليون دولار منها فقط على نسبة الفائدة من ديونه، إضافة إلى ٧،٥ مليون دولار مصروفات شخصية عادية، و٥ مليون دولار صيانة وحراسة بيته مع فواتير الخدمات، ٢،٥ مليون دولار نثريات، ٥ مليون دولار الأمور القانونية الشخصية، ليكون المجموع ٢٠ مليون دولار دون النظر إلى أي مصروفات أخرى حسب تقرير شركة المحاسبة Thompson.

خرج الجميع (بعد مساعدة باراك) باقتراح آخر وهو القيام بجولته الغنائية الأخيرة والتي كان من المفترض لها أن تبدأ في لندن، والتي اشتهرت بعنوانها: This is it.

كان السبب الحقيقي (وغير المعلن) من هذه الجولة هو محاولة تعويض المغني عن الأموال والديون التي خسرها خلال العشرة سنوات الأخيرة، التي لم يعمل بها. وقد اشترط على فريقه .. أنها بالفعل ستكون الجولة الأخيرة في حياته، ولا يريد المزيد من العمل.

«لا أريد أن أعمل … لا تقل أنه يجب علي أن أعمل!» كان يرددها مايكل لمحاميه الذي بدأ يشعر بالقلق قبل وقوع الفأس في الراس، ويرجح محاميه الذي تولى زمام الأمور مؤقتاً Donald David أن ما أصاب مايكل من برود انتاجي استمر طويلاً؛ أن المغني كان مُصاب بمرض الإضطراب الوجداني (Bipolar) والذي يجعله في إحدى حالتين، إما شديد الفرح والنشاط، وإما شديد الإكتئاب والإنغلاق على نفسه، وربما ما أصابه كانت الحالة الأخيرة مع الأسف لتستمر معه أكثر من عشرة سنوات.

مطلع عام ٢٠٠٩ مع دخول توم باراك في الصورة، والذي بدأ في معالجة حالة مايكل جاكسون المالية الصعبة، بدأ المغني بالاستعداد لهذه الجولة الكبيرة، أصبح ينشغل معظم وقته في محاولة اسعادة لياقته البدنية، وقد تم إجراء عدة تعاقدات حول الحفلات التي كان لها من المتوقع أن تجلب في خزينته ما يعوضه عن الديون، أصبح المغني هو الشغل الشاغل على مدار الساعة لفريق عمله والذين سينالون بالتأكيد نصيباً من دخل هذه الحفلة.

٢٥ يونيو ٢٠٠٩ … توفي مايكل جاكسون.

كان سبب وفاته تسممه بمادة البروبوفول (propofol intoxication) والذي كان طبيبه Conrad Murrey قد وصفه له على فترة شهرين متتابعة حتى وفاته. والذي استغرب معظم المراقبين من وصف مثل هذا الدواء المهدئ القوي لفترة طويلة بجرعة كبيرة نسبياً! ولعل زيادة الجرعة -في رأيي الشخصي- له تبريره الخاص بالنسبة للطبيب، فهو كباقي فريق العمل، يريد التأكد أن مايكل سيقوم .. ليتمرن .. ليغني لاحقاً، وليكسب (ربما هو أيضاً) نصيبه من الغلة!.

حكم على الطبيب فترة سجن أربعة سنوات جراء هذا الخطأ الطبي الكبير والبسيط، والذي اعتقد أنه سيساهم بتعجيل علاج المغني ليستعد لجولته الكبيرة.

يشير الكاتب أيضاً أنه لم يكن هناك شخص واحد فقط كان يراجع ما يأخذه المغني سوا هذا الطبيب، وربما كان هذا الأمر بمثابة الثقة المميتة.

كان بالنسبة لي من المفارقات العجيبة أن مبيعات حقوق مايكل جاكسون بعد وفاته تجاوزت الـ ٧٠٠ مليون دولار حتى عام ٢٠١٣، ليعتبر بذلك أكثر شخص في التاريخ يجني أرباحاً بعد وفاته!


المرجع:

Greenburg, Z. O. (2014). Michael Jackson, Inc.: The Rise, Fall, and Rebirth of a Billion-Dollar Empire (P. 203, 206, 207, 220, 223). Atria Books.

عن العمل وريادة الأعمالمقالات عن الانتاجية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

تريد سرًا كبيرًا من أسرار الإنجاز؟

عليك بالكلاحة

تريد سرًا كبيرًا من أسرار الإنجاز؟
للأعضاء عام

كيف نتعامل مع كثرة الأهداف في حياتنا؟ (ملفّات القرّاء ٤)

مساء الخير أُستاذ أحمد، جزيل الشكر على هذه المدونة الجميلة والمفيدة، سؤالي: كيف يتعامل الإنسان مع كثرة الأهداف في حياته؟ حينما يحاول التخطيط للفترة القادمة، يجد أهدافاً كثيرة على جميع المستويات إيماني، تخصصي، معرفي، اجتماعي ومالي وغيرها! وكلما حاول عمل فلترة، يجد هذه الأهداف والأمنيات ملحة! فيزداد حيرة؛ يخاف

كيف نتعامل مع كثرة الأهداف في حياتنا؟ (ملفّات القرّاء ٤)
للأعضاء عام

فيما يخص تعليق الشهادات على الجِدار (رسالة قارئة)

عن المقالة السابقة بعنوان في تعليق الشهادات على الجِدار. وصلتني رسالة لطيفة، أعتقد إنها تستحق النشر. هنا رد قارئة كريمة اسمها السيدة/ شيخة علي الخروصية: فيما يخص أهمية الشهادات المهنية سأحكي لكم عدة أحداث أو مواقف مررت بها لعلها تضيف شيئاً لكم. أحدثها أننا في قسمنا ممثلين المؤسسة بأكملها