تخطى الى المحتوى

الحرية والمتعة والمعاناة عند مونتين

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة
الحرية والمتعة والمعاناة عند مونتين
Photo by Alex Harmuth / Unsplash

يذكر الكاتب النمساوي الشهير «ستيفن زفايغ» عن الفيلسوف الفرنسي «مونتين» في كتاب حمل عنوانه اسم الفيلسوف نفسه (نُشر في ١٩٤١م)، تأملًا حادًا عن الحياة والحرية والمتعة والمعاناة، مستشهدًا بالأخير في النص التالي:

«لكي يكون الإنسان حرًا، يجب عليه ألا يشعر بأي التزام أو ارتباط بأي شيء، ومع ذلك فنحن جميعًا مرتبطون بالدولة والمجتمع والأسرة؛ أفكارنا تخضع للغة التي نتحدث بها، مما يجعل الإنسان المعزول، (أو الإنسان الحر تمامًا): شبحًا.

[ورغم ذلك] من المستحيل أن يعيش الإنسان في الفراغ؛ بوعي أو بغير وعي. تعليمنا يجعلنا عبيدًا للأخلاق والدين والرؤية والعالم كما نراه؛ أنفاسنا هي هواء العصر الذي نعيش فيه.

إن التحرر من كل ذلك أمر لا يمكن تخيُّله. كان مونتين يعرف ذلك جيدًا، فهو الذي قام خلال حياته بواجباته تجاه الدولة، وتجاه الأسرة، وتجاه المجتمع … وخاضعًا بانتظام لما هو مطلوب منه.

لم يكن مونتين يسعى إلى ما هو أقل من العيش على المدى الأبعد. [وكان يرى مونتين] أنه ليس علينا أن نبذُل أنفسنا، بل علينا فقط أن نُقرَضها

وعلينا كما قال:

«أن نحافظ على حرية أرواحنا، وألا نرهنها إلا في مناسباتٍ نادرة».

لا نحتاج إلى عزل أنفسنا عن العالم، أو حبس أنفسنا في زنزانة. ولا يرفض مونتين كل ما ندين به للعواطف أو الشهوة. على العكس من ذلك، ينصحنا دائمًا أن نستمتع في حياتنا قدر الإمكان…

من لديه شغف بالسياسة يجب أن ينخرط فيها؛ من يحب الكتب عليه أن يقرأها؛ من يحب الصيد عليه أن يصطاد؛ ومن يحب بيته، وترابه، وأرضه، وماله، ومن يحب الأشياء فليتفرغ لها كلها.

لكن الأمر الأكثر أهمية هو: أن تأخذ من هذا التفرّغ بقدر ما يجلب لك المتعة، وليس زيادة عن ذلك.

ويُضيف مونتين أيضًا:

«في المنزل، في الدراسة، والعمل وجميع أشكال النشاطات الأخرى، يجب على المرء أن يسعى جاهدًا للوصول إلى حد الإشباع فقط، والتمتع به، وألا يتجاوزه، فمع التجاوز تبدأ المعاناة.

يجب على المرء ألا يسمح لنفسه بأن يُجبر على الواجب، أو أن يُجبر على العاطفة المهيمنة، أو الطموح المجرد، التي تتجاوز القدرة الطبيعية للفرد؛ يجب على المرء أن يزن القيمة الحقيقية للأشياء دائمًا، ولا يبالغ في تقديرها؛ ينبغي للمرء أن يتوقف عندما تتوقف المتعة.

يجب على المرء أن يسعى على الحفاظ على عقل واضح الرؤية، وألا يصبح مقيدًا، بل يظل حرًا دائمًا».

وهنا يعتقد مونتين أن الزيادة في كل شيء، هو الخروج من منطقة الحرية إلى المُعاناة، التي تقلب المتعة إلى ألم لا يمكن التخلّص منه.


المصدر: زفايج، ستيفان. مونتين (مجموعة بوشكين). إصدار حصري.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع