تخطى الى المحتوى

كل الكُتاب فاشلون

رجال الأعمال ليسوا سوى هواة للفشل، وقد اعتادوا على هذه الفكرة. أمّا الكتاب هم المحترفون الحقيقيون.

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
كل الكُتاب فاشلون
«الموهبة ضئيلة. أعرف الكثير من حطام المواهب المدفونة. خلف الموهبة تكمن كل الكلمات المعتادة: الانضباط، والحب، والحظ، والأهم من ذلك كله، القدرة على التحمل».
—جيمس بالدوين

 

«أي حياة عندما ننظر إليها من الداخل سنكتشف أنها مجرد سلسلة من الهزائم».
-جورج أورويل

هنا شيءٌ من التعبير عن حماسي واختلاط مشاعري تجاه كتابِ جديد قمت بترجمته.

نص التقديم

أحاول أن أجد كلمة تصف هذا العمل الصغير في حجمه، والكبير في وقعِه عليَ، وعلى كل من سيقرأه. لم أجد سوى كلمة واحدة كانت قد خرجت من وجداني لتصفه: كتابٌ حقير.

أستسمح القارئ المهذّب على استخدام هذا اللفظ. وأعتذر إن أعطيتُ شيئًا من الانطباع السلبي لهذا العمل وعمن قام بترجمته. ولكنني سأحاول أن أُبرر هذا الاندفاع وهذه الغِلظة في الوصف.

أولًا: لم أقرأ نصًّا في حياتي يعطي حجمًا مثقلًا من الظُلمة والكآبة بنفس القدر من الأمل والمواساة. كلها في نفس الوقت. هذا الكتاب على بساطة حجمه، إلا إنه نجح في تحقيق هذه المعادة المستحيلة؛ المعادلة التي جعلتني طوال رحلة الترجمة أشتُم الكاتب وحدي في غرفة المكتب بصوتٍ مرتفع، وأمدحه وأدعوا له بعدها.

ثانيًا: علمت أنني يجب أن أقوم بترجمته وأنا أتمرّن في النادي الرياضي، عندما كُنت أسمع هذا الكتاب بنسخته الصوتية. وأذكر إنني توقفت للحظات أثناء السرد، وأخبرت نفسي: من هذا الكاتب؟ ومن يملك هذه القدرة على كتابة هذه الكلمات؟ قررت بعدها أن أقرأه كنص بدلًا من الانصات له صوتيًا، ويا للعجب! كتاب يتحدث نيابة عن كل كاتب، ولكل كاتب، بل يتحدث نيابة عن كل فنان ولكل فنان أيًا كان فنه.

طلبت من أخي الصديق الدكتور ساجد العبدلي - الناشر الكريم من دولة الكويت - أن يجلب لي حقوق الكتاب (لمعرفتي بشطارته في هذا الأمر)، ولن أسمح لشخصٍ غيري بترجمة هذا العمل، ليس حبًا وافتتانًا به وحسب، بل لأنني وددت أن أُعطي نفسي الفرصة بأن أستشعر وأتذكّر كل الموضوعات والقصص التي تحدّث عنها الكاتب (ستيفن مارش) فيه.

وبالفعل ما هي إلا أسابيعٌ قليلة حتى تحصّلت دار «شفق» ممثلة بالدكتور ساجد العبدلي على حقوق الكتاب، وكان لي الاعتزاز بنقله إلى القارئ العربي، كأول مشروع ترجمة شخصي طويل من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.

سوف أنصح كل شاب أن يقرأ هذا الكتاب قبل أن يعتزم بأن يُصبح كاتبًا. وسأحاول أن أُقنِع الكُتاب الممتهنين للكتابة أن يقرؤوه، ليكون ميزانًا لهم بين الثقة والتوقعات المفرطة، وبين التواضع واستحضار الصبر في عملهم الذي لا يعد بأي نجاحات سريعة ومباشرة.

يحكي هذا الكتاب قصصًا غريبة وعجيبة، لكُتاب عُرِف عن بعضهم أنهم كُتّابًا سُجّلت أسمائهم في التاريخ بسبب عظمتهم، دون أن تُسهِب القصص المتداولة في سرد ما عانوه وما أدّى بهم لأن يكونوا عظماء.

كتاب، أعتبره تُحفة فنية بحق، تصف حِرفة الكتابة وهمومها. وقد استمتعت بترجمته.

قراءة ممتعة.

أحمد حسن مُشرِف

كاتب ومدون

جدة، أغسطس ٢٠٢٤م

صورة من ملف الوورد من سطح مكتبي

اقتباسات من الكتاب

الفشل هو جسد حياة الكاتب.

النجاح ما هو إلا لباس يرتديه. هناك مفارقة تحدد هذا النوع من العمل: الجمهور يرى الكُتّاب فقط في انتصاراتهم، ولكن الجزء الأكبر في حياتهم الحقيقية هو الهزائم التي لم تُر. أفترض أن هذا هو السبب وراء ظهور الكتّاب في لحظات الانتصار النادرة، في غير مكانهم دائمًا؛ حيث يظهرون على صفحات الكتب بملابسهم غير المهندمة، مع شعرهم الذي سُرّح في اللحظة الأخيرة قبل التصوير، يرفعون بشدة تقييماتهم الأكثر إيجابية على «انستجرام»، وفي الاحتفالات الغريبة لجوائز الكتابة، مثل جوائز الأوسكار للأشخاص المتهيئين، الذين يبتسمون مثل السجناء المفرج عنهم مؤخرًا، وكأنهم يحاولون التكيف مع المجتمع.

يعد الفشل أمرًا كبيرًا في الوقت الحالي، وهو موضوع خطابات حفل التخرج ومؤتمرات الأعمال مثل «FailCon»[1] حيث يقوم رواد الأعمال المنتصرون بعرض شرحٍ تفصيلي لجميع أفكارهم التي أفلست. وفي الحقيقة رجال الأعمال ليسوا سوى هواة للفشل، وقد اعتادوا على هذه الفكرة. أمّا الكتاب هم المحترفون الحقيقيون.

يتم نشر ثلاثمائة ألف كتاب كل عام في الولايات المتحدة وحدها. ويمكن الإشارة بوضوح لبضع مئات منها (على الأكثر) بأنها نجاحات مالية أو إبداعية. غالبية كتب الكُتّاب الناجحين هي كتب فاشلة.

غالبية الكُتّاب فاشلون.

ثم أن هناك فئة الكُتّاب تحت النشأة، أولئك الذين فشلوا في أن يكونوا كتابًا في المقام الأول، وهي فئة التي تُصدّق ما يقولوه الناس لهم في المناسبات، وهي تشكّل الجزء الأكبر من أنواع الكُتّاب.

مقابل كل شكسبير اعتزل ليعيش في الأرياف بعد تحقيقه شهرة مستمرة، هناك ألف كاتب أخذوا نفس فترات الراحة ليختفوا من المشهد تمامًا: جورج تشابمان، أول مترجم لهوميروس، أصبح يتسوّل في الشوارع لأن رعاته بدؤوا يموتون واحدًا تلو الآخر؛ توماس ديكر، الذي أصبح شعره أبيض في سجن المتعثرين عن سداد الديون؛ والمفضّل لي شخصيًا هو الكاتب المسرحي جون ويبستر، الذي أصبحت تواريخ ميلاده ووفاته في قاموس السيرة الأدبية علامات استفهام ورمزيات تُذكر فقط في مهب النسيان. لقد كتب «دوقة مالفي» (The Duchess of Malfi)، ولا أحد يعرف من أين أتى أو أين انتهى به الأمر.

أكتب هذا المقال لأنني وددت أن يأتي شخصٌ صادقًا إلى حد ما بشأن الكتابة، ليكتب عمّا يتطلبه العيش في الواقع ككاتب، في جو خالٍ من أبخرة التفاخر. الوظيفة الأولى للكاتب هي الكتابة. والوظيفة الثانية هي المثابرة. إذا كنت تريد أن تُصبح كاتبًا، أو إذا كنت تريد أن تعرف معنى الكتابة، فسيتعين عليك الابتعاد عن دروب المجد، سالكًا الغابات المظلمة. لأن الكتابة في الحقيقة موجودة هُناك.


[1] FailCon: هو مؤتمر مدته يوم واحد لرواد الأعمال والمستثمرين والمطورين والمصممين في مجال التكنولوجيا، وهو مختص بدراسة إخفاقاتهم وإخفاقات الآخرين والاستعداد للنجاح. المصدر: موقع Thefailcon.com.

عن الكتابةكُتب واختيارات للقراءة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

الكلاحة هي السلاح الأهم للكتابة (ملفات القرّاء ٩)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتمنى إني كنت أول تعليق (😅 لزمة المنتديات قديمًا). لطالما استمتعت بنشراتك البريدية وبما تكتب (متى ما استطعت إيجاد اللحظة التي تجمع توفر الوقت وانتباهي لوصول نشرتك في صندوق البريد الإلكتروني المزدحم). في مختلف حياتي العمرية تأتيني فترات انشغل فيها بالقراءة فاشعر أن ذائقتي بالكتابة

الكلاحة هي السلاح الأهم للكتابة (ملفات القرّاء ٩)
للأعضاء عام

لو لم تكن كاتبًا ماذا ستكون؟ (ملفّات القرّاء ٨)

لو ما كنت كاتب إيش حتكون؟ صديقي العزيز عمران، سؤال لطيف. في الحقيقة لا أعلم. فكّرت في السابق أن أكون طيّارًا، لحبي للسفر، وأيضًا لاعتقادي أن هذه المهنة تملك مساحات مختلفة من أوقات الفراغ في الشهر، وستساعدني في موضوع الكتابة والقراءة. ولكن لأنني أصبحت آخر سنوات

لو لم تكن كاتبًا ماذا ستكون؟ (ملفّات القرّاء ٨)
للأعضاء عام

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)

مقدّمة: إن كُنت أحد سكّان مدينة جدة، أدعوك لحضور أمسية ثقافية يوم الاثنين (٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤م) بعنوان «الشعور بالانتماء ضرورة أم رفاهية؟». رابط التسجيل هنا. تنورونا. ننتقل إلى ملفّات القراء.. السلام عليكم، أشكرك أخي أحمد على إتاحة الفرصة لي، سؤالي كم ساعة تقرأ باليوم، وهل تقرأ كتاب

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)