تخطى الى المحتوى

لماذا لا تعمل أمخاخنا كما نريد؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

«… لماذا يصعب على المخ أن يقتنص الفكرة الجديدة في حالة الوعي والتفكير القاصد، بينما هو يقتنص بسهولة عندما يغفو العقل الواعي أو يغفل عن نفسه؟ .. يبدو أن العقل الواعي ذو طبيعة تحليلية لا تركيبية. فهو يستطيع أن يبحث ويفكر ويستقصي إنما هو لا يستطيع أن يبتكر إلا قليلاً.

ولعل السر في ذلك أن العقل الواعي ميّال إلى التركيز والدقة في النظر. فهو عندما يدرس أمراً ما يحاول التركيز على نقطة واحدة منه. ولهذا فليس من السهل عليه أن يستوعب نقاطاً عدّة من خلال نظرة واحدة. فتراه عند البحث يجمع الأفكار ويستقصي دقائقها، ولكنه لا يقدر على الربط بين فكرتين متباعدتين منها» يقول على الوردي.

ويضيف في موضع آخر متهكماً على الحُفّاظ:

«وهذا سبب ما نراه بين الحُفّاظ من عجز عن الفهم والإبداع. فهم يكثرون من حفظ المعلومات ومن تكرارها والتمشدق بها، ولكنهم يظلون كالببغاء غير قادرين على استخلاص أية جدوى مما يحفظون. وعلى العكس من ذلك الأذكياء الملهمون، إذ هم يدأبون على تفهم الأفكار المتنوعة ثم ينسونها. ومعنى أنهم يتركونها مخزونة في أغوار عقلهم الباطن، فتتفاعل هناك وتتشابك. ولهذا نجدهم أبرع في الجواب وأقدّر على حل المشكلات من أولئك الحفّاظ (الدارخين)».

وربما يجيب الوردي في هذا التحليل المبسط عن ثلاثة مسائل مهمة تواجهنا في حياتنا اليومية أيضاً وهي:

  1. أننا يجب ألا نخشى نسيان ما نقرأه، لأن المحتوى سيُختزن ويتشكل داخل عقلنا الباطن، وسيخرج لنا لاحقاً على شكل أفكار إبداعية أو حلول لمسائل تواجهنا في حياتنا، وهنا مكمن أو «مفهوم الإبداع». بل ويعلق الوردي في موضع آخر (وأشيد جداً على هذا التعليق): «أن المبدع لا يستطيع أن يخلق الشيء من عدم، بل هو يؤلفه من أشياء موجودة قبلاً، وليس له من فضل في ذلك سوى فضل الربط والتركيب».
  2. ألا تخشى على نفسك أو أبنائك – إن صح القول – إن كانوا بلداء في مواد الحفظ في المدرسة. فعلى الأغلب ستجد ابنك أو ابنتك تحفظ أسماء وتواريخ الشخصيات المحببة إلى قلبها، لأنها ارتأت أنها تستحق الحفظ. وفي هذا الزمن ما يستحق الحفظ، ستجده بالتأكيد يستحق البحث عنه أي وقت في «جوجل»!.
  3. أن نستوعب أن موضوع الحفظ والإبداع مسألتي قرار وليست قدرة. فإن كان يهمك حفظ شيء ما، سيكون عليك العمل على ذلك، وليس بالضرورة أن تعادل كفاءة التحليل والاستفادة بشكل متوازٍ مع قدرة الحفظ. فكُلما زادت أهمية الحفظ لديك، نقص اهتمامك لا شعورياًَ بالتدبر والتساؤل والفِهم!

المصدر: الوردي ع.، الأحلام بين العلم والعقيدة، الوراق للنشر (ط٢، ٢٠١٢)، ص.٢٤١ – ٢٤٢

سيكلوجيا الإنسانمقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع