تخطى الى المحتوى

القدوة: هل هي بالممارسة أم بالقول؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

ليلة البارحة وأنا أحاول أن أُقنع إبنتي سيرين بالنوم، اضطُرِرت كعادتي أن أُشغِل تنبيه ساعة التوقف Stopwatch لخمسة دقائق على الآيباد وهي تلعب به، أصبحت أتبع هذا الأمر مؤخراً بغرض التحكم على فترة لعبها في الآيباد .. فعندما أقول مثلاً سيكون معكي ٢٠ دقيقة، فلا حاجة لي أن أعود إليها بعد أن تنتهي، لأنها سوف تأتيني بنفسها لتقول لي «دق التين تون».

شاهدي .. أنني وأثناء الإستلقاء بجانبها في السرير ألعب بجوالي، طلَبت مني أن أضع ساعة التوقف أيضاً لخمسة دقائق .. «حتى أنت! .. مو بس أنا».

لا أعرف حقيقاً ما هو الدافع خلف طلبها -والذي نفذته طبعاً- لكن كان المميز في هذا الموقف عندما قالت لي «لو تبغا ممكن تمسك الكيندل (جهاز قارئ الكتب الإلكتروني، والذي شرحت لها سابقاً الفرق بينه وبين الآيباد) .. مسموح!».

ربما كانت تود أن تشعر بالعدل في هذا الموقف، فما ينطبق عليها يجب أن ينطبق علي (استخدام الأجهزة الذكية في هذه الحالة). وربما كانت تود بلطف أن تُذكرني بوقت القراءة المعتاد، وإن كان بالفعل الأمر الأخير الذي تقصده، فسأزعم أنني أعيش حلماً من أحلامي.

كان تساؤلي اليوم عندما استيقظت؛ ماذا لو رديت عليها أمس «أنني كبير ويحق لي استخدام الجوال؟» .. أو «ليس من شأنك؟» .. أو أي ردود سلبية أخرى مخالفة للمبادئ التي أحاول جاهداً أن أزرعها فيها؟ .. طرح علي هذا التساؤل تساؤل آخر شديد البساطة والتعقيد في نفس الوقت؛ هل أستطيع أن أزعم أن تربية الأطفال تكون عبر أمر جوهري وهو التجاوب مع أسئلتهم/طلباتهم المتكررة، بشكل إيجابي، منضبط ومستمر؟

إضافةً إلى تساؤل آخر وهو؛ هل يمكن لي القول أن القدوة تنشأ فقط عندما يكون الأبوين (أو أحدهم) قدوة في أمر ما؟ .. دون أن يطلب طلبات مباشرة؟ فإن كُنت لا أريد أن تكون إبنتي كاذبة، فيجب أن لا أكون كاذباً، وليس أن أطلب منها باستمرار أن لا تكذب .. وإن كُنت أريدها إنسانة قارئة فيجب أن أقرأ! .. لا أن أطلب منها القراءة طيلة الوقت .. هل هذا هو الأمر ببساطة؟

خرجت بمحصلة صغيرة من الإجابة على هذه التساؤلات وهي: أن التربية بالعموم ربما هي عبارة عن مواقف صغيرة جداً تتكرر كل يوم لآخر العمر بين الآباء وأبنائهم، فإن كانت استجابة الآباء لتلك المواقف مليئة بالصبر ومحملة بالمبادئ الإيجابيبة والقوانين التي تُطّبق على الكل، فستكون التربية إيجابية، والعكس (ربما) صحيح.

والسؤال الذي يطرح نفسه .. هل يمكن إسقاط ما قلته على علاقة أخرى غير الأبناء مع آبائهم؟

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن العيش كشخص عادي في المنتصف

أحد أصدقائي العزيزين والمسؤولين في شركة «المحتوى» في البودكاست أخبرني الجملة التالية: «أداؤك عادي، ولا تملك قبولًا كبيرًا كمستضيف». لم يقل أداؤك سيئ، ولم يقل أداؤك خارقاً للعادة، قال بما معناه: «أنت مستضيفٌ عادي». «العادي».. هو شكل معظم حياتي. وهو موضوعي اليوم. وُلدت أصغر إخوتي، ولكنني اعتدت

عن العيش كشخص عادي في المنتصف
للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟