تخطى الى المحتوى

ما تبحث عنه

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

ما تبحث عنه، يبحث عنك

— جلال الدين الرومي

ما تبحث عنه، لا يبحث عنك

— أحمد مشرف

هنا القصة باختصار، اختفى في أحد الأيام ريموت Apple TV الخاص بي. مشكلته صِغر حجمه المتناهي ورُفعه اللذان يجعلاه طيلة الوقت تحت تهديد الضياع. وهذا ما حصل معي في النهاية.

قلبت الصالة رأسًا على عقب، ولم أجده. قررت أن أستخدم تطبيقًا بديلً على الجوال للتحكم بالجهاز، ومشى الحال لأسابيع، حتى قررت تغيير مزود خدمة الإنترنت من «موبايلي» إلى «الاتصالات السعودية». ليتوقف جهاز الآبل عن العمل تمامًا (لأسباب تقنية يطول شرحها). مما اضطرني للاستسلام وإعادة البحث عنه مرة ثانية.

قلبتها رأسًا على عقب مرة أخرى. قسّمت البحث على عدة مراحل، ساعة ما بين الكتب المتناثرة، ودقائق بين حواف الكنب، ودقائق تحته، ودقائق في الأدراج وهكذا …

لم أجده، بل أنني كلفت شخصين آخرين للبحث معي، ولكن دون جدوى أيضًا .. هكذا ببساطة، تبخر ريموت الآبل من وجه الكرة الأرضية! .. اختفى من غرفة لا تتجاوز مساحتها خمسة عشر متر.

مشكلتي أن الجهاز + الريموت يكلفوا سويًة حوالي الثمنمئة ريال، والريموت لوحده يكلف ثلاثمئة وعشرة ريال. وهو بالطبع لا يستحق هذا السعر المرتفع، إلا أن الحاجة دفعتني بطبيعة الحال للقيام بخطوة شراءه، بعد مرة ثالثة من البحث.

اشتريت الريموت الجديد … وبعد بضعة أيام، وجدته عاملتنا المنزلية في مكان لعين داخل إحدى الكنبات التي بحثت فيها في المرات الثلاثة.

شاهدي، أنني أغبط أحيانًا أحبتي المتصوفين، الذين يرون الحياة بمنظور لا نستطيع نحن الغلابة أن نراه به. فهم يستشعرون ما قاله الرومي عن أمر البحث؛ في تلك الأثناء التي يغرق فيها إنسانا مثلي في البحث عن جهاز طوله عشرة سم، عوضًا عن البحث عن ذاته في هذا الكون الفسيح!

وطبعًا، دون ذِكر من لا يعرفون أصلًا أن عليهم البحث عن ذاتهم قبل قرار البحث!

أو دون تذكير الآخرين الذين يعيشون حياتهم وهم سعداء، بأن عليهم البحث عن أمر ما، هم لا يشعرون بالنقص فيه.

ما تبحث عنه .. استمر في البحث عنه، كل يوم ودون توقف.

أو ابحث عنه بطرُق أخرى، لكن دعنّا نتساءل قبلها إن كان يبحث عنّا أصلًا!

ورحم الله جلال الدين الرومي.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع