تخطى الى المحتوى

تأملات صغيرة في المرض

شهية غير مفتوحة على الأكل، لكنها مفتوحة على تضييع الفلوس.

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة
تأملات صغيرة في المرض
Photo by Diana Polekhina / Unsplash

كل عام تقريبًا تأتيني نوبة مرض نفس هذه الأيام. ما بين التهاب جيوب أنفية، سخونة، صداع وسيلان حاد في الأنف.

وبالطبع كأي بني آدم يدّعي أنه مسوؤل، أقاوم المرض (مع الأدوية والمكمّلات) بعمل أنشطة خفيفية، مثل الانكباب على القراءة، وممارسة بعض المزاج المعكّر على زملائي ومن حولي.

إلا إنني خرجت ببضع تأملات جديدة:

١. أمل صغير في كل خطوة قادمة لمحاربة المرض. فإن أخذت فيتامين سي، ودواء الجيوب الأنفية، ومخفض الحرارة، ولم يحصل أي تغيير يتبقى لي أمرٌ واحد؛ الاستحمام بماء بارد. ينعكس الترتيب حسب الوضع والظروف، وأتشبّث بالخطوة المتبقية لكي تكون ذو تأثير وتغيير. هذا الأمر نفسه أعيش معه في بقية أمور حياتي، خطوة قادمة في شيء ما أمارسه أو أعمل فيه لكي يجعل حياتي أفضل قليلًا. لكن هذا الأمل في الخطوة الصغيرة القادمة يبدو أكثر وضوحًا في أيام المرض.

٢. اكتشاف إنني لا أحتاج الإذن لكي أقوم بما أحب القيام به. قرأت في اليومين الماضيين قرابة الأربعمئة صفحة من كُتب كانت مركونة، وحققت انتصارات عظيمة في معدل التركيز اليومي. كان هذا الجانب المضيء من هذه الأيام، والسبب أنني ببساطة لم أستطع الخروج، ولم أستطع القيام بأي مهام تتطلب تركيزًا وجهدًا عاليين. توقف وسألت نفسي: إن كان هذا أمرٌ تحبه فعلًا! لماذا لا تقوم به كل يوم بنفس الغزارة طواعية؟ لأنني في الأيام العادية أكون مشغولًا في الحقيقة في كل شيء، سوى في الأمور الأعز على قلبي، لاعتقادي جازمًا أن مكانتها المحفوظة سوف تحميها، وهذا أمرٌ غير صحيح.

٣. عدم الرغبة في أكل أي شيء. وهذا أمرٌ آخر يجب أن يكون اختياريًا! لماذا يجب أن يحتاج الإنسان لظرف خارجي مؤثر ليركز على ما يأكل وما لا يأكل؟ وسألت نفسي: لماذا لا نستطيع ممارسة هذا الأمر بسهولة كل يوم بنفس الانضباط طواعية؟ أعرف أن النفسية التعبانة والجسد المنهك مؤثرة بشكل كبير، ولكن هل هناك شيء من التطويع يجب أن يتسلّح الإنسان به (بعيدًا عن أوزمبيك ومانجارو)؟ ظهر أمامي مرتين مقطع الرجل الصيني بطل كمال الأجسام ذو الخمس وسبعين عامَا، والذي يدّعي أنه يتمرن كل يوم منذ عام ١٩٨٤م ولا يخرب أي شيء في أكله ونومه، ويبدو وكأنه ذو ثلاثين عامًا، وتساءلت: هل عزيمة هذه الرجل كان يجب لها أن ترتبط بمرضٍ ما حتى قرر قراره البطولي قبل أكثر من أربعين عامًا؟

٤. الجانب السلبي من الفضاوة في التسوق عبر الإنترنت. اشتريت مراكن زرع، وعدة كُتب عربية وأجنبية، وزجاجة لوضع نباتات البامبو. هذه الشهية المفتوحة تجاه التبضع ربما تكون محاولة لإخبار الجسد أنه لا يزال منتجًا، فها أنا قد ساهمت بدعم الاقتصاد (وتضييع الفلوس)، في أمور لم أكن أفكار فيها بالضرورة وهذا الوضوح إن كُنت بصحتي الكاملة. على كل حال، أنا سعيد بهذه المشتريات الآن، وبلا شك، لا يجب أن ترتبط هذه القرارات بالمرض، بل بالحاجة.

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.


المنشورات ذات الصلة

للأعضاء عام

كل الناس لهم ذكرياتهم السيئة بطريقتهم؛ أما أنا فكانت مع الأكل

عن عدم القدرة على التواصل الفعّال مع الأهل في سن صغير

كل الناس لهم ذكرياتهم السيئة بطريقتهم؛ أما أنا فكانت مع الأكل
للأعضاء عام

المشاهير الحبّيبة: لماذا ينفصلون؟

معظم الناس ينشرون باستمرار عن أزماتهم الشخصية أكثر من اهتماماتهم الحقيقية

المشاهير الحبّيبة: لماذا ينفصلون؟
للأعضاء عام

عن الصمت العقابي من الشعور بالذنب

أنا هسيبكم بدري، خلي بالك من أمك وأخوانك، مكنتش عايز احطك في الموقف دا