تخطى الى المحتوى

هل أنت شخص كتوم؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

إن وجّهت هذا السؤال على نفسي، فبالتأكيد لستُ كتومًا بالمعنى المعروف اجتماعيًا (على ما أعتقد). وأقصد مجازًا بالكتوم هو ذلك الشخص الذي لا يُعبر عن مشاعره أمام الآخرين. ولا يحرص أن يكون له رأيٌ مسجّل فيما يراه بشكلٍ عام؛ وبالطبع قد يكون هذا الأمر سلبيًا أكثر منه إيجابي بالنسبة للبعض. إلا أن عدم التكتم على الأفكار أو الآراء لا يتناسب بشكلٍ عام مع إنسان يمارس مهنة كمهنة الكتابة، والتي تتطلب وبشكلٍ مستمر تقليب الأفكار والتعبير عنها. اللهم أن الفرق يُختزل بين التعبير عنها لفظيًا أو على ورق.

عندما قال الله عز وجل في كتابه «إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ…» فإنَ يراكم تأتي من الرأي هُنا، هو تقليب العقل على ما نُبصره أمامنا أو ما اطلّعنا عليه من فكرة أو أمرٍ ما. فالرأي ليس الإبصار كما نعتقد. وغالبًا ما يكون لكل إنسان رأي ما تجاه شيء ما، ونادرًا ما يحدث وأن يكون لشخص رأي لا يهتم بأمرِه كثيرًا، فتجده لا يحرص على التعبير عنه، وهذه الحالة صحية بشكلٍ عام. وعندما تجد شخصًا يقول لك «لا رأي لي في هذا الأمر» فهو يقصد بشكلٍ آخر أنه غير مهتم لهذا الأمر، ولذلك لم يُفكّر فيه.

نقطتي التي أود الحديث عنها اليوم، هي أن الإنسان يجب أن يُعبّر عمّا بداخله، بالشكل المناسب له وعند الأمور التي يمكن له التعبير عنها، فالكتمان المستمر وأخذ حالة السكوت لمجرد السكوت لا أعتبره شخصيًا أمرًا إيجابي على المدى الطويل، وقد يُترجم إلى حالات انفجار أو عُقد نفسية إن استمرت، تمامًا كما نرى حالات النساء المُعنّفات في مجتمعنا، أو في حالات أخرى إن استذكرناها سنجد أنه كان من الأفضل لنا إن عبّرنا عمّا بداخلنا لنحصل على نتيجة أفضل. وقد كتبت مقالة سابقة عبّرت عن جُزءً من طفولتي في هذا الشأن.

أُشجع ابنتي سيرين على التعبير عمّا بداخلها، وأقول لها دومًا قولي ما بكِ، وأخبريني عمّا تشعرين به.. لا تهم النتيجة، من المهم أن تعبري فقط، أخرجي الفكرة أو الشعور الذي في داخلك دون خوف، والنتائج سنتعلم كيف نتعامل معها لاحقًا.

أو كما أخبرني أخي أكرم جمل الليل عن العُرف المنتشر في ثقافة أهل سان فرانسيسكو «يجب عليك دائمًا أن تقف، وتتكلم».. تقف على رأيك، وتتكلم عمّا يدور في رأسك. المهم أن تتكلم لنعرف ماذا يدور في ذهنك.

التعبير عن الذات، يُكسب صاحبه القوة والاستقلالية مع الوقت. والتمرن على التعبير عمّا في ذاتنا يجعلنا لا نخاف، ويزداد حِس الصراحة المُطلقة لدينا، ويُشعِر الجديين حولنا بالأمان، لأننا لن نجعلهم يعتادوا على الخوف مما نكتمه، ويرونا واضحين كالشمس.

وبالطبع يُرصرص هذا الأمر البقية من الآخرين تجاهنا واتجاه آرائنا، فإن وُجِد ذلك الإنسان الذي يُصدم أو لا يتقبّل تعبيرنا المستمر، فمن الأصلح اكتشاف هذا الأمر مبكرًا، عوضًا عن انتظار تلك اللحظة التي بالكاد نعبّر فيها عن شيء ما داخلنا ليرُد علينا.. «ما أتوقعتك كذا!».. ولسان حالنا يجب أن يقول: «هذا ما أعبّر عنه، سواءً توقعت ذلك أم لا، سواءً أعجبك أم لا».

شخصيًا، أحمد الله أن مهنة الكتابة هي وسيلتي الأولى للتعبير (حتى مع المقرّبين) وإلا تحول اسمي لأحمد المليء بالعُقد، عوضًا عن أحمد الذي يكتُب.

الشاهد، عبروا…

سيكلوجيا الإنسان

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع